القائمة الرئيسية

الصفحات

جند الله وأصناف الملائكة والأعمال التي وكلوا بها؟


جند الله وأصناف الملائكة والأعمال التي وكلوا بها؟

من الامور التي يجب ان نتأمل ونتفكر بها... ونذكر في هذا المقام قول حبيبنا المصطفى عليه الصلاة والسلام :"لا عبادة مثل التفكير" هو حكمة الله في خلقه...فلله خلق "مسير" لطاعته ويعمل بأمره لا يخرجون عن حكمه ابدا... ومع ذلك فهم من اشد الخلق احساسا وتفاعلا بكل الموجودات...فالملائكة تحب وتكره بامر الله ومحبته وغضبه.. بل وتضع بمشيئته المحبة والبغضاء لمن وجب من خلقه... والملائكة تضحك وتبكي وتستحي برغم قوة وخصائص بعضها... والملائكة العظام تحكم تحتها ملايين مملينه من الملائكة في نظام ورتب وجنود كثيرة لتحقيق الامر...ويوجد ايضا من بعض هذه الرتب من يحكم ممالك من الجن وخلق اخر تعتبر من جند الله... بل ان خلق الله الذي اتاه طواعية هو ايضا من جند الله المسير بطوعه... فالحقيقة ان كل ما في الكون عاقل من اكبر الخلق لاصغر مكون في الكون.. ونعلم ذلك من كتاب الله.. حيث خير السماوات والارض مرتين... اولهما حينما قال ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين... وثانيهما حينما عرض الامانة عليهما وعلى الانسان فأبين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان الذي وصف في هذا المقام بالجهول الظلوم... اي ان السماوات والارض كانت تفوق الانسان عقلا... ليس هذا فحسب.. بل قوله تعالى وأشفقن منها يدل على وجود الاحساس الفائق في كل مكونات السماوات والارض من خلق متباين ومتراكب... وكررها الله تعالى في قوله...وما بكت عليهما السماوات والارض... وتحدثنا من قبل عن حقيقة بكاء السماوات والارض بمكوناتهما.. والغريب ان وكالة ناسا سجلت بالفعل اكثر من تسجيل رائع لصوت السماوات والكون والارض من خلال رحلات السفن والمسابير الفضائية....



وليس هذا فقط...بل ان كل ما في السماوات والارض يسبح لله...ويسترحم الله.. بل ومنهما ما يدعو لابن آدم... كموقع سجوده وصلاته... ولا ننسى حديث هدهد سليمان الحكيم ولا النملة في وادي النمل ولا جبل موسى عليه السلام الذي تصدع حينما كشف الله حجبه وتجلى له سبحانه...



بل ان العلم الحديث اثبت ان هناك نوع من العقل والادراك والذاكرة في جميع مكونات المادة...وتحدثنا ايضا من قبل بالتفصيل عن ذاكرة الخلايا ووعيها وطرق حديثها الدائم...بل انها تملك بذاتها القدرة على التخاطر؟؟؟؟ ..ومنها من سينطقه الله في الاخرة ليشهد على افعال ابن ادم وغيره من المكلفين...فسبحان الله العظيم...




واما في قوله تعالى:"انما يخشى الله من عباده العلماء" فالله يدرك بالعلم وبفهم مكنون الكون وكنهه.. والعلم فتنة ايما فتنة... فمن الخلق من سعى بالعلم لله والتقرب اليه وصالح الخلق... ومنهم من فتنه العلم ...وهم الآن كثرة.. حتى اعتقدوا انهم ملكوا مقاليد المادة والخلق وانهم هم المسيطرون... وهم من جاء بهم قوله تعالى :" حتى اذا اخذت الارض زخرفها وازينت وظن اهلها انهم قادرون عليها آتاها امرنا فاصبحت حصيدا كأن لم تغن بالامس"...




ولذا كان العلماء هم الاحق بغواية الشيطان حتى من رجال الدين... كما قص علينا رسول الله ذلك عليه الصلاة والسلام في الاحاديث القدسية حينما اتى ابليس ليعلم أحد ابنائه فذهبا الى رجل عالم فاسق ورجل دين منقطع للعبادة... وسأل ابليس ابنه من الاحق بغوايتك فأجابه بالطبع رجل الدين... فقال له لا وسأريك لم؟ فظهر بصورة نورانية لرجل الدين.. واحب في هذا المقام ان اذكركم ان قلة محدودة من كبار الشياطين التي يمكن ان تتمثل بصورة نورانية للخداع...فعندما ظهر لرجل الدين خشي منه وسأله من انت... فاجاب.. انا رسول من ربك ابشرك بأنه قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر... فما كان من رجل الدين الا ان هلل مستبشرا وترك صلاته وقيامه وذهب لينهل من الدنيا متاعها وكل ما حرم منه من مفاسد وضلال.... وكرر ابليس فعلته مع رجل العلم الفاسق الماجن... فما كان منه الا ان قذفه بما في يده قائلا اخسأ يا عدو الله فان كل منا محاسب على عمله ما دامت ارواحنا في اجسادنا...وسارع رجل العلم بالتوبة لربه والاستغفار عن كل ما فعل.... هذا ما كان من شأنهما... فمابال عالمنا اليوم وكبار علماء الغرب ملحدون ومرسخين للالحاد ومضللين لغيرهم؟؟؟ الا وقانا الله شر الفتن واعاننا على العلم والمعرفة في ظل جلاله...




وبحديثنا عن الملائكة.. نستعرض في هذا الموضوع بعض المعرفة المختصرة عن تخصصاتهم وما وكلوا به...وقد دل الكتاب والسنة على أصناف الملائكة.. وأنها موكلة بأصناف المخلوقات... وبداية.. نعلم ان مادة خلقهم النور: لحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام: (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم كما وصف لكم)..مسلم.



وللحديث من دعائه عليه الصلاة والسلام: (اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)...مسلم... وجاء في السنة عن صفتهم في الحديث: (إن العبد إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا نزلت إليه الملائكة كأن وجوههم الشمس فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان)). ((وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح ـ ثوب غليظ من الشعر ـ فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب)...احمد وابو داود.




الملائكة الموكلة بالجبال



فالله سبحانه وكَّل بالجبال ملائكة..وجاء في البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: {يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بـقرن الثعالب ، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا به عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم عليَّ ثم قال: يا محمد! ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً } ...رواه البخاري ومسلم ، وهذا من كمال شفقته ورأفته بأمته، وكما قال في الحديث الآخر: {لكل نبي دعوة مستجابة، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة }، وبسبب هذه الشفاعة يكون لهذه الأمة يوم القيامة فضل عظيم وخير كثير، أما نوح عليه السلام فقد قال كما جاء في حديث الإسراء: {وقد كانت لي دعوة فدعوتها على قومي }، قال تعالى عنه: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [نوح:26]... أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد احتفظ بدعوته وادخرها شفاعة لأمته يوم القيامة، فهو: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] صلوات الله وسلامه عليه.



الملائكة الموكلة بالسحاب والمطر



فكما أن للجبال ملائكة... فكذلك للسحاب والمطر ملائكة...

نقلاً عن ابن كثير في البداية والنهاية (1/50): "وميكائيل موكل بالقطر والنبات اللذين يخلق منهما الأرزاق في هذه الدار، وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه، يصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الرب جل جلاله.... فما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقررها في موضعها من الأرض ..... ومن الملائكة ما هو موكل بالسحاب... ففي سنن الترمذي عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {الرعد ملك من ملائكة الله، موكل بالسحاب، معه مخاريق من نار، يسوق بها السحاب حيث شاء الله }، وقد يسقي بلاداً دون بلاد، أو قرية دون أخرى، وقد يؤمر بأن يسقي زرع رجل واحد دون سواه، كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعال عنه -وهو من الأحاديث العظيمة الدالة على فضل الصدقة، وأن العبد ينال ولاية الله وكرامته بالإحسان والصدقة- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {بينا رجل بفلاة من الأرض، فسمع صوتاً في سحابة يقول: اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حرة -أرض مستوية صلبة- فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله! ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله! لم تسألني عن اسمي؟ قال: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان. لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأرد فيها ثلثاً }....

فالله سبحانه وتعالى: فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، لا معقب لحكمه، ولا مدبر في ملكه إلا هو عز وجل.



الملائكة الموكلة بالرحم



فقد ووكل بالرحم ملائكة تدبر أمر النطفة حتى يتم خلقها!!!!!!... ويدل على ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: {حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك... }، وحديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا أتت على النطفة اثنتان وأربعون ليلة أرسل الله إليها الملك فينفخ فيها الروح } رواه مسلم ، فينفخ الروح في تلك النطفة.... بعد أن كانت عبارة عن مادة حية ولكن لا روح فيها، والروح هي سر الله سبحانه وتعالى، الذي جعله في ابن آدم، وميزه بها عن غيره ليكون إنساناً، وبعد نفخ الروح يؤمر بكتب أربع كلمات؛ وذلك حتى يعلم الإنسان أن كل شيء قد قضي وفرغ منه وانتهى، وقد رفعت الأقلام وجفت الصحف، فلا شيء جديد أو مستأنف أبداً، {فيؤمر بكتب أربع كلمات: رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله إلا هو إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها }....


ففي هذه الأحاديث وغيرها دليل على أن الله سبحانه وتعالى جعل من الملائكة أصنافاً موكلة بالأرحام، تدبر أمر النطفة حتى يتم خلقها...



الملائكة الموكلة بحفظ أعمال العباد وكتابتها



ثم وكل بالعبد ملائكة لحفظ ما يعمله وإحصائه وكتابته..... وهؤلاء هم أعظم من يجب علينا أن نؤمن بهم ونتفكر في أمرنا معهم دائماً.... وهم الملائكة الذين يحفظون أعمالنا ويحصونها، وهم الكرام الكاتبون الذين وكلهم الله سبحانه وتعالى بالإنسان، والأدلة عليهم ثابتة من القرآن والسنة، فمن القرآن قوله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] قيل: إن (رقيباً وعتيداً) اسمان لملكين، والظاهر أنهما صفة للكتبة، وقال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ [الانفطار:10]* كِرَامًا كَاتِبِينَ [الانفطار:11]* يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:12]، وغير ذلك من الأدلة الثابتة في القرآن والسنة.



وقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله كما في الفتاوى (4/252): "هل الملائكة الموكلون بالعبد هم الموكلون دائماً، أم كل يوم ينزل الله إليه ملكين غير أولئك؟ وهل هو موكل بالعبد ملائكة بالليل وملائكة بالنهار؟


وقوله عز وجل: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ [الأنعام:61] فما معنى الآية؟



فأجاب: "الحمد لله، الملائكة أصناف؛ منهم من هو موكل بالعبد دائماً، ومنهم ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر؛ فيسألهم -وهو أعلم بهم- كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون. ومنهم ملائكة فضل عن كتاب الناس يتبعون مجالس الذكر.



وأعمال العباد تجمع جملة وتفصيلاً، فترفع أعمال الليل قبل أعمال النهار، وأعمال النهار قبل أعمال الليل، وتعرض الأعمال على الله في كل يوم إثنين وخميس، فهذا كله مما جاءت به الأحاديث الصحيحة، وأما أنه في كل يوم يتبدل الملكان؛ فهذا لم يبلغنا فيه شيء. والله أعلم" أي: الملكين الموكلين بكتابة كل شيء، لا اللذين يأتيان كل يوم.


إذاً هناك ملائكة موكلة دائمة، وملائكة متعاقبة يعقب بعضها بعضاً....



كيف تكتب الملائكة الهم الذي يهمه المرء ولا يظهره ؟؟



"إذا هم العبد بالحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة"... الحديث..... فإذا كان الهم سراً بين العبد وبين ربه، فكيف تطلع الملائكة عليه؟

ف قد روي عن سفيان بن عيينة في جواب هذه المسألة قال: [إنه إذا همَّ بحسنة شمَّ الملك رائحة طيبة، وإذا هم بسيئة شم رائحة خبيثة ].... وهذا أحد الأجوبة، وهو أن الملك من احد خواصه انه يشم ويرى نوع طاقة ما يهمه العبد، فإذا هم العبد بعمل صالح شم الملك رائحة طيبة، ولعل مما يؤيد تصور بعض السلف أن للحسنات والسيئات روائح، ما أثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: [لو أن للذنوب رائحة لما جالسني منكم أحد ]، وهذا من تواضعه رضي الله تعالى عنه، وفي ذلك يقول أبو العتاهية :


أحسن الله بنـا أن الخطايا لا تفوح

فإذا المستور منا بين ثوبيه فضوح

أي: لو كانت روائح الذنوب تظهر، لما استطاع أحد أن يجالس بعض الناس، وهذا ابن مسعود يقول هذا الكلام، فكيف بأصحاب الفجور والشرك والخمور والزنا والربا؟ لكن من إحسان الله بنا أنه لم يجعل للذنوب روائح، وإلا لكان الذي يرى مستوراً بين ثوبيه مفضوحاً عند الناس، نسأل الله أن يرحمنا وأن يسترنا في الآخرة كما سترنا في الدنيا.



ف أن الله قادر أن يعلم الملائكة بما في نفس العبد كيف شاء، كما هو قادر على أن يطلع بعض البشر على ما في الإنسان... وقد أطلع النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً على ما كان يضمر له بعض أعدائه، فالله قادر على أن يطلع من شاء على ما يشاء سبحانه وتعالى...فإذا كان بعض البشر قد يجعل الله له من الكشف ما يعلم به أحياناً ما في قلب الإنسان، فالملك الموكل بالعبد أولى بأن يعرفه الله ذلك... أي أن الملك أولى من الذين قد يطلعهم الله سبحانه وتعالى -كرامة منه- أن فلاناً ينوي كذا....



قال: "وقد قيل في قوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16] أن المراد به الملائكة".

وهذه الآية يحتج بها الالحاديين ، ومن ينكرون علو الله تعالى، وليس لهم فيها حجة؛ لأن قوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16] فيه قولان: إما أن يتعلق بما قبله، وإما أن يتعلق بما بعده، فإذا تعلق بما قبله كان المعنى: ونحن أقرب إليه بعلمنا؛ لأنه قد ذكر العلم في أول الآية، قال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه"، وهذا من حيث المعنى وجيه وواضح، لكن المعنى الآخر من حيث اللغة أوجه.... وذلك لأن الظرف يتعلق بأقرب مذكور، قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ [ق:16-17]، فالظرف وهو (إذ) متعلق بـ(أقرب)، فيكون المعنى: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد بملكينا (الملتقيان) أي: اللذين يتلقيانه.



كما اثبت العلم الحديث ان ما يجول داخل الجسم من نيات هو طاقة تظهر بصورة ايجابية او سلبية ايضا...
والله قد جعل الملائكة تُلقي في نفس العبد الخواطر، كما قال عبد الله بن مسعود ...وهذا صحيح وثابت عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: {إن للملك لمة، وإن للشيطان لمة، فلمة الملك تصديق بالحق ووعد بالخير، ولمة الشيطان تكذيب بالحق وإيعاد بالشر }، وهذا الأثر له شاهد في قوله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268] فإن الإنسان عندما يهم بالحسنة فإن ذلك من لمة الملك، إذاً هو يعلم بالحسنة؛ لأنه هو الذي دفعه إليها وأثارها في نفسه.
وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: {ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الملائكة، وقرينه من الجن. قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وأنا، إلا أن الله قد أعانني عليه، فلا يأمرني إلا بخير }" ....



وفي رواية أخرى: { إلا أن الله أعانني عليه فأسلم }، والمعنى إما أن يكون: فأسلمُ من شره، ولا يأمرني إلا بخير، أو ما ذكره بعض الشراح فقالوا: أسلمَ أي: آمن ودخل في الإسلام، ولذلك فلا يأمر إلا بالخير؛ لأنه مسلم وإن كان شيطاناً، ويكون هذا مستثنى من عموم الشياطين الذين أصل طبيعتهم الكفر، كما أن أصل طبيعة الملائكة الطاعة....



فالسيئة التي يهم بها العبد إذا كانت من إلقاء الشيطان، علم بها الشيطان"، والشيطان لا يعلم الغيب، لكنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، وقد زين له المعصية، فعلم حينئذٍ أنه هم بها؛ ولهذا يشجعه ويحثه على فعلها، ولأنه يجري مجرى الدم، فيعلم أن الإنسان يريد أن يفعل الخير فيثبطه عنه، كما يقول له عند صلاة الفجر: نم، عليك ليل طويل، فينام حتى لا يصلي الفجر جماعة....


وهذه هي حقيقة الصراع، لا كما يقول الشيوعيون وأمثالهم: إن الكون مبنيٌّ على الصراع الطبقي أو التضاد، وهو موجود، لكن حقيقته أنه بين الملائكة والمؤمنين أهل الحق من جهة، وبين الشياطين والفجار الذين هم حزب الشيطان من جهة أخرى... فالصراع قائم بين حزب الله وحزب الشيطان، في النفس وفي الواقع....



هذه هي حقيقة الصراع، والنفس الإنسانية ميدان للصراع، ولذلك فصاحب النفس اللوامة، وهي التي لم تميل لأحدهما، إذا غلبه الشيطان واستحوذ عليه... عاد فلام نفسه، أما الفاجر صاحب النفس الأمارة بالسوء، فيكفيه شيطان واحد يأمره وينهاه... وهو في يده كالبهيمة في الحبل يجره كما يشاء، وهذا هو الذي تمحض للشيطان -عياذاً بالله- واتبع هواه، وأما صاحب النفس المطمئنة، فلا يملك الشيطان عليه إلا الوسوسة، كما قال صلى الله عليه وسلم: {الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة }... كما ان هذه النوعيات للنفس يمكن ان تكون اوجه مختلفة لنفس النفس في نفس الشخص وصراعها الدائم مع الحياة وغلبتها او هزيمتها امام التجارب المختلفة..



إذاً... فالصراع قائم عند صاحب النفس.. يذهب فيصلي، ثم بعد ذلك يعصي الله تعالى.. يحضر حلقة من حلقات الذكر، أو يقرأ كتاباً من كتب الحق، وبعدها يقرأ مجلة خليعة، أو يتابع مسلسلاً خبيثاً.. وهكذا، فلمة للملك ولمة للشيطان، وتمده مادتان.... مادة الخير ومادة الشر.. ولا ننسى في هذا المقام حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام "أن يقهر المرء نفسه خير من ان يقهر مدينة وحده".... ، فهذا من اعظم انواع الجهاد والصراع فأيهما غلبت عليه فهو لها في النهاية، ومن هنا كان الواجب علينا أن نتعاهد قلوبنا وأعمالنا بتقوى الله سبحانه وتعالى، والإيمان به، وأن نستحي من هؤلاء الملائكة الكرام، وألاَّ نجعل الله سبحانه وتعالى وملائكته الكرام أهون الناظرين إلينا، فإن البعض يجعل الله تعالى عند ارتكاب المعصية أهون الناظرين إليه، وهذا من ظلم ابن آدم وجهله، أنه في حال المعصية لا يكون مستحضراً عظمة الله سبحانه وتعالى، ولم يوقر الله، ولم يقدره حق قدره في تلك اللحظة، ولهذا ففي لحظات الإيمان لا تخطر على باله تلك المعاصي، إنما تخطر عليه في لحظات الضعف، ولذلك وجب عليه أن يتعاهد نفسه وقلبه، ويتعاهد إيمانه، ولا يجعل ربه سبحانه وتعالى أهون الناظرين إليه....

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع