رجاء القراءة للنهاية..
احبابنا في الله.. نعلم ان الخوف غريزة اساسية لدى جميع المخلوقات... فلايمكن إلغائه تماماً لانه غريزة في الانسان والله سبحانه خلق الخوف في الانسان لاجل حمايته من الاخطار وحتى يستطيع أن يفعل أحد أمرين إما ايجاد حلول اساسية اذا كان الخوف من واقع مشاكل حياتية او المقاومة والهجوم في حالة وقوع حادثة مرعبة أو الهرب والانسحاب وكلا الامرين يحتاج الى طاقة دافعة ولايتم ذلك إلا بواسطة مادة الادرينالين الذي تفرزه الغدة الكظرية وهذه المادة تعطي الجسم طاقة قوية ونشاط غير عادي فيتجه الدم الى العضلات في القدمين واليدين من أجل الدفاع عن النفس أو الهرب ومشكلة هذه المادة (مادة الادرينالين ) إذا زادت في الدم يحدث لدى الانسان أعراض مزعجة وتوتر يمنعه من التعبير عن ذاته ....
والخوف كما سنتحدث تفصيليا قد يكون ايجابي او سلبي وهناك طرق للسيطرة عليه... ويجب ان نعي انه احد الغرائز الاساسية المفضلة لدى الشيطان لايقاع بني آدم في الشرور بأنواعها.. فقد اخبرنا الله تعالى ان الشيطان "يتعاظم" عند من يجعل له سبيلا...والشيطان في الاصل ليس له سلطان على عباد الله ولكن سلطانه على من تبعه من الغاوين... والخوف احد اكبر سبل تلك الغواية.. وهذا الخوف قد يأخذ اوجه وسبل متعددة ومتباينة جدا جدا... منها ما هو حياتي ونفسي مختص بوقائع الحياة اليومية... من الخوف من قلة الرزق.. الخوف على المنصب.. الخوف على الاحبة... والخوف من المرض والموت وغيرها من الاسباب الدنيوية... وهذا محبب للشيطان وباعث على مداخل ايما مداخل للشرور... لكل نفس يعميها خوفها ان الله هو الرازق وهو الحامي وهو من بيده مقاليد السماوات والارض وخزائنهما من الرزق بأنواعه سواء اكان صحة او مال او امن او ما عداه...
ومن الخوف الذي يستغله الشيطان ما هو لحظي... كأن يظهر هو او احد اعوانه من الانس او الجن بصورة مرعبة مخيفة... يتصور الانسان انه لا يحتمل رعبها وينسى ان الله تعالى القائل سبحانه انه لا يكلف نفسا الا وسعها وعليه ان يحافظ على رسوخ ايمانياته واستدعاء غوث ربه الذي لم يجعل بينه وبين المضطر حجاب...
فأن يخاف الإنسان الخطر ويخشاه فذلك شيء طبيعي وفطري في أعماق نفس...الإنسان.. وليس عيباً ولا نقصاً.. والمطلوب من الإنسان ليس هو اقتلاع جذورالخوف من النفس والقضاء عليه نهائياً.. فهو أمر غير ممكن.. إنما المطلوب هو توجيه هذا الميل الفطري نحو الأخطار الحقيقية الكبرى التي تهدد مستقبل الإنسان.. وليس نحو بعض المخاطر الحقيرة البسيطة.. المطلوب أن يخاف الإنسان من مركز القوة والثقل والذات العليا التي تهيمن على العالم، وتسيطر على كل شأن من شؤونه، وكل ذرة من ذراته.. وهي قوة الله سبحانه وتعالى وهيمنته وعظمته.. و المطلوب ايضا أن لا يكون الخوف عقبة وحاجزاً أمام الإنسان، يمنعه من التقدم والاحتفاظ بالحرية والكرامة.. فالقرآن يعترف بواقعية الخوف لدى الإنسان، ولا يعتبره جريمة أو عيباً في الأساس.. وإنما الجريمة تكمن في سوء الاستفادة، وفي الإفراط في ممارسة الخوف.. وأن يصبح الخوف عقبة في طريق تقدم الإنسان وكرامته وحريته..
الخوف: امتحان
إن الله سبحانه وتعالى يعلم أن الخوف سيكون حاجزاً أمام الكثيرين عن تحمل مسؤولياتهم الإنسانية والإلهية.يعلم أن الخوف هو منزلق أكثرية البشر، ودافعهم إلى المذلة والخنوع والاستسلام.. فلماذا أودع هذا الميل، وزرع هذه الغريزة في نفس الإنسان؟
الجواب...بالإضافة إلى أن لهذا الميل النفسي(الخوف) أبعاداً إيجابية.. فإنه في بعده السلبي يرتبط بفلسفة خلق الإنسان ووجوده في هذه الحياة..فالحياة قاعة امتحان، ومسرح ابتلاء لإرادة الإنسان وسلوكه، يقول تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ).
لذلك يجب أن يعلم الإنسان حينما يواجه خطراً وصعوبة ومشقة، في سبيل دينه وكرامته ووجوده، انه أمام امتحان وابتلاء، إن لم يلتزم بالايمان والتسليم لله والشجاعة والإقدام، ويتجاوز حاجز الخوف، فسيكون فاشلاً في ذلك الامتحان.. وماذا يعني الفشل في الامتحان الإلهي؟ انه الخزي والعذاب وسخط الله سبحانه وتعالى....
يؤكد القرآن على هذه الحقيقة قائلاً:
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ)
فرسوخ الايمان والشجاعة والصمود ليست فضيلة كمالية.. وإنما هي واجب إلهي.. والجبناء الذين يسقطون ويتهاوون عند حاجز الخوف، لا ينالهم عار الدنيا فقط، وإنما هم معرضون لنار الآخرة.. بينما يبشر الله الصابرين أمام الأخطار والمشاكل، بسبب رؤيتهم الإلهية للحياة، التي تتلخص في عبارة ( إنا لله وإنا إليه راجعون).... هؤلاء الصابرون عليهم صلوات الله ورحمته وهم المهتدون..والشجاع المؤمن الذي يتجاوز حاجز الخوف، تغمره لذة أعذب من لذة الانتصار... إنها لذة النجاح في الامتحان الإلهي، واستحقاق الأوسمة العظيمة، التي تحدثت عنها الآيات الكريمة.. وسام الصلاة والرحمة والهداية...
أولياء الشيطان ينشرون الخوف..
إن الخوف سلاح يخدم العدو في معركتك معه.. فإذا سيطر الخوف عليك قلّت قدرتك على المقاومة.. إن الخوف من أي شيء يحقق انهزامك في داخل نفسك أمام ذلك الشيء.. وهل تستطيع الانتصار بنفس منهزمة؟؟؟؟
ولذا يستعين الأعداء بالطابور الخامس، لبث الخوف في أوساط الجهة الأخرى التي يستهدفونها.. وهذا مظهر من مظاهر الحرب النفسية كما تسمى.... وهذه الجهات المغرضة في المجتمع هي التي تنمي جذور الخوف... وتقويها لصالح
الأعداء..... الخوف من الأعداء.. من الاستعمار.. من الطغيان.. ويجب التفرقة في هذا المقام بين تحري المعرفة لقدرات هذا العدو للاستعداد لمواجهتها ومواجهة خدعه المختلفة وبين تعظيم قدره بهدف بث الانهزامية في النفوس....
إن القرآن يحذرنا من وجود فئات مغرضة في المجتمع، تنشر الخوف بين الناس لصالح الأعداء.. ويصف هذه الفئات بأنهم أولياء الشيطان..
يقول تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)...
والخوف إذا تجاوز حده في نفس الإنسان، تكون له انعكاسات وتأثيرات سيئة على تفكير الإنسان وجسمه أيضاً... حيث يصاب الإنسان بالارتباك، ويصبح عاجزاً عن اتخاذ قرار سليم، ويقدم نفسه نتيجة لذلك فريسة سهلة للأمر الذي تخوف منه.. وقد أشار القرآن الحكيم، إلى مدى التأثير الذي يتركه الخوف المفرط، حتى على مظهر الإنسان وجسمه، ضمن حديثه عن صفات وسلوك المنافقين، يقول تعالى: (أشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ)... اضافة ان ترسيخ المخاوف ينفذ الى العقل الباطن والذي بدوره يستدعي كل الملفات السلبية للعقل الواعي...
فالخوف المفرط الذي يشل الفكر، ويرهق الجسم، ويمنع من التقدم، وتفجير الطاقات.. هو المرض الذي تعاني منه الأكثرية الساحقة من الناس..إنهم يفرطون في خوفهم من كل شيء: من الفشل، التعب، الألم، السلطة، مراكز القوة، المستقبل، المجهول.. الموت..إلخ... وهذا الخوف هو المسؤول عن شل قدرات الكثيرين، وتجميد طاقاتهم وكفاءاتهم... وبالتالي فهو المسؤول عن قسط كبير من التخلف..إنه الخوف.. ذلك الشبح الذي يلاحق النفوس حتى إن البعض يخاف من ظله ومن أطياف نومه.. ولعلك تصادف البعض ممن يقصون عليك أحلام نومهم، وهم خائفون وجلون..
إن هذه الظاهرة المرضية الخطيرة المتفشية في المجتمع هي التي تفسح المجال للاستبداد.فالاستبداد حينما يرى الناس خائفين خاضعين، يزداد هو قوة في مقابلهم... والحال أن قوته ليست ذاتية.. وإنما تأتي من خنوع الناس وضعفهم أمامه... هذه حقيقة...
التربية السيئة
المسألة الرئيسية التي تغيب عن وعي الكثير من الناس، هو رؤيتهم للشخصية الإنسانية، فالكثير من هؤلاء، يظن أن الشخصية، تأتي دفعة واحدة، أو أنها تتكون خارج محيط التأثير الاجتماعي والتربوي.وعلم النفس الحديث، يعتبر الشخصية لها انعكاس طبيعي للتربية... وإن هذه الأخيرة هي المحدد لمصير الشخصية الإنسانية..
وكثيرة هي العقد والنواقص التي يكسبها الإنسان في صباه وطفولته.. في لحظة قصيرة من عمره، لكنها تبقى راسخة في نفسه إلى أن يصير (شيخاً) هرماً... ولذلك اعتبر (علم النفس) التربية مسألة استراتيجية، في تكوين شخصية الإنسان...
والدراسات النفسية، كلها أو أغلبها، تتفق على أن الإنسان في بدايته لا يعدو أن يكون (ذاتاً) لا شعورية، تتصرف بدون وعي، وأن الوعي يحصل بعد مرور الزمان... وان مجموع التوجيهات والتحذيرات التي تصدر عن الآباء أو المجتمع أو الدين أو السلطة أو..........هي التي تحدد سلوكه الشخصي، بعد أن تتحول هذه (المنظومة) من الأوامر والنواهي، إلى جهاز لا شعوري، يوجه الإنسان.. والطفل في البداية، يكون مستعداً لتلقي كل شيء سلباً أو إيجاباً.. ولذلك يجب الحذر في التعامل مع الأطفال وتحصينهم من أن تتسرب العوامل السلبية إلى نفوسهم...
إن للإسلام توجيهات وتعاليم تفصيلية كثيرة، حول أساليب تربية الطفل، والعناية به نفسياً وجسمياً..لكن تلك التوجيهات غير معروفة لجماهير المسلمين.... بسبب تقصير أجهزة ومؤسسات التربية والاعلام في الدولة، وعدم التفات كثير من العلماء والخطباء إلى ضرورة تذكير الناس بتعاليم الدين القويم في هذا المجال...وحيث تتضاءل الكتابات الإسلامية في حقل التربية وصناعة الأجيال البشرية..
فللتربية السيئة دوراً خطيراً في زرع وتكريس السلبيات والصفات الذميمة في نفس الإنسان.. وكثير من الناس الذين يفترسهم شبح الخوف المفرط والمزعج، إنما ابتلوا بهذا المرض الخبيث بسبب سوء التربية....
ضعف الإيمان
الإنسان الذي يؤمن بأن هناك قوة مسيطرة على الكون، وأنه مرتبط بتلك القوة الغالبة، فإن الأخطار والمخاوف مهما كانت كبيرة وعظيمة، ستتضاءل في نفسه وأمام عينيه..يؤكد القرآن الحكيم هذه الحقيقة، باستعراضه لموقف المؤمنين
الشجاع، أمام أشد المخاوف والأخطار.. يقول تعالى: (لَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).... كما قال في الحديث القدسي.. " يا ابن ادم لا تخف من ذي سلطان ما دام سلطاني وملكي لا يزول,لا تخف من فوات الرزق ما دامت خزائني مملوءة لا تنفذ خلقت الاشياء كلها من اجلك وخلقتك من اجلي فسر في طاعتي يطعك كل شىء...لي عليك فريضة ولك غلي رزق فان خالفتني في فريضتي لم اخالفك في رزقك... ان رضيت بما قسمت لك ارحت قلبك وان لم ترض بما قسمته لك فوعزتي وجلالي لاسلطن عليك الدنيا تركض فيها كركض الوحوش في البرية ولا ينالك منها الا ما قسمته لك وكنت عندي مذموما"...
إن من يشعر ويعتقد بأن وراءه تلك القوة العظمى في الكون، لابد وأن يستهين بكل ما أمامه من قوى، فهي زائفة وضعيفة، أمام قوة الخالق الجبار.. وجميل جداً ذلك الحديث الشريف الذي يقول: (من خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف
الله أخافه الله من كل شيء ) ...وهذه الحقيقة وراء كل تلك المواقف الشجاعة، والملاحم البطولية، التي سطرها المؤمنون في صراعهم مع الباطل، عبر مسيرة التاريخ....
طرق العلاج والسيطرة على الخوف
الخوف غريزة قابلة للتعديل والتوجيه والتحديد والقيادة.. وبإمكان الإنسان أن يكبح جماح الخوف، ويوقفه عند الحد الأدنى، الذي تقتضيه طبيعته وحياته، كما يستطيع أن يُطلق له العنان لينمو ويتغلب على جميع قواه ومشاعره..
الإرادة والتصميم
مشكلة البعض أنهم يتكيفون مع أمراضهم النفسية، إما باليأس من إمكانية العلاج، أو باختلاق التبريرات التي تقنعهم وترضيهم بما يعانون.. مثلاً: انه يعاني من خوف مفرط من القوة، وبدلاً من أن يفكر في التخلص من هذا المرض فإنه يعمل على تكريسه، باختلاق التبريرات الفكرية مثلاً ادعاءه الامتثال لقوله تعالى: (لاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)!!
أو يعاني مثلاً من: الخوف من الفشل، ويتردد في الإقدام على أي عمل جديد.. ثم يبرر ذلك بلزوم الاستعداد، وأنه إنما لا يعمل ذلك العمل الآن رغبة في أن يؤديه مستقبلاً..!!
أو يجبن عن تحمل مسؤولية معينة، ويفلسف جبنه بأنه تواضع وابتعاد عن الرياء وحب الرئاسة!! إن اليأس من العلاج، والاعتقاد بأن الخوف جزء لا يتجزأ من النفس، أو تعزيز الخوف بالتبريرات والأفكار السلبية الخاطئة.. كل ذلك يحول بين الإنسان وبين تجاوز حاجز الخوف، والتخلص من سيطرته وإزعاجه.. فالخوف الذي تعاني منه، هو مرض وبلاء... وأنت قادر على التخلص منه.. وكل التبريرات التي ترضيك وتقنعك بقبول هذا المرض، إنما هي تبريرات وأفكار خاطئة..والمطلوب أن تصمم وتقرر مقاومة الخوف في نفسك، وسيكون النصر والنجاح حليفك حينئذ إن شاء الله..
الإيحاء الذاتي
في جميع الأمراض النفسية، يتحدث علماء النفس، عن دور عملية الإيحاء الذاتي في معالجتها، ذلك لأن الإيحاء الذاتي عملية نفسية من نفس جنس تلك الأمراض، فهي أقدر على مواجهتها.. بل حتى بعض الأمراض الجسمية، يستعين الأطباء بالإيحاء الذاتي لمساعدة المريض على تحمل وتجاوز مرضه..
ويقصدون بالإيحاء الذاتي أن يتحدث الإنسان في داخل نفسه، أو بصوت مسموع، عن قدرته على الشفاء، وتجاوزه فعلاً للمرض..فإذا كان يعاني من مرض الخوف...فليكرر في نفسه، أو بصوت مسموع، أنه قادر على تجاوز الخوف، وأنه بالفعل شجاع وبطل.. تكرار هذه العملية يوجد عند الإنسان تصميماً ذاتياً على تجاوز الخوف. وشعوراً بتحقق ذلك، يدفعه إلى التصرف وكأنه لم يعد يعاني من الخوف فعلاً.. وتصديق الإنسان بانتصاره على المشكلة، إذا ما دفعه لاقتحامها فعلاً، فإن ذلك سيكون بمثابة خطوة جريئة وعملية للانتصار والنجاح الحقيقي في الواقع الخارجي..
وينصح علماء النفس: بممارسة عملية الإيحاء الذاتي قبيل النوم، وعند الاستيقاظ منه، بعد أن يتنفس الإنسان تنفساً عميقاً، ليخرج كل ما في رئتيه من الهواء، ويستنشق هواءً جديداً، ويكرر الإنسان في نفسه أو بصوت مسموع، أنه قادر على تجاوز تلك المشكلة، وأنه تجاوزها بالفعل (أنا قادر على تجاوز الخوف، أنا شجاع بطل....) في فترة تتراوح ما بين عشر دقائق إلى ساعة كاملة..
ولعل النصائح الإسلامية بتكرار بعض الأدعية والأذكار والأوراد، تهدف إلى إحداث مثل هذا التأثير في نفس الإنسان، فهي نوع من أنواع الإيحاء الذاتي.. فمثلاً في صلاة الليل يُستحب أن يكرر الإنسان هذه العبارة مرات: ( هذا مقام العائذ بك من النار ) وأن يردد سبعين مرة هذه العبارة: ( أستغفر الله ربي وأتوب إليه )...
إن تكرار هذه الأذكار نوع من الإيحاء الذاتي، الذي يدفع الإنسان إلى التصميم على تحويل ذلك الذكر إلى ممارسة وسلوك خارجي..
الزهد في الدنيا والايمان بأن رزقك آتيك لا محالة
يقول الإمام علي: ( من زهد في الدنيا هانت عليه مصيباتها ).
إن تعلق الإنسان الشديد بملذات الحياة وراحتها ومصالحها، يجعله خائفاً هلعاً لدى أي تهديد بفقدانه وحرمانه لشيء من مصالح الحياة.. أما المؤمن الزاهد، الذي ينظر إلى الدنيا بحجمها الحقيقي المحدود، ويتطلع إلى آفاق دار الخلود في الآخرة، فحرصه على المصالح الدنيوية قليل ومحدود، وبالتالي لا يصيبه الخوف الشديد، والهلع المفرط، عندما يواجه خطر فقدان شيء من الملذات والمصالح.. إن مصالح الدنيا مهما كانت، فإنها عند المؤمن لا تستحق اهتماماً مفرطاً، يجعله يهلع ويجزع، ويفقد ثباته واطمئنانه، أو يتنازل عن كرامته ومبادئه.. بينما الشخص المادي المتعلق بالحياة، والمنشد إلى مصالحها الدنيوية، يزعجه ويربكه ذلك، بل قد يصاب بالهلع الشديد، وقد يتنازل عن كرامته ومبادئه وقيمه، في سبيل إبعاد خطر بسيط عن مصالحه الدنيوية، يقول الإمام علي كرم الله وجهه ( من أحب الحياة ذلّ ) .
وعن الفرق بين طريقتي تعامل المؤمن وتعامل الإنسان المادي المتعلق بالحياة، يقول تعالى: (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلاَّ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ)....
الاقتحام
وهو أفضل علاج لانتزاع الخوف من النفس.. وأكثر عملية من جميع الأساليب الأخرى..
1ـ ذلك لأن أكثر الأشياء التي يتخوف منها الإنسان، لا تحمل خطراً حقيقياً، وإنما يتوهم الإنسان فيها الخطر، فإذا أقدم عليها، وواجهها بشجاعة وثبات، فسيلوم نفسه على تخوفه وتردده سابقاً..
2ـ إن صعوبة وسهولة أي عمل من الأعمال، ليس بسبب واقع ذلك العمل، وأنه ينطوي على الصعوبة، أو يكون في حد ذاته سهلاً، بل هناك سبب آخر يتعلق بشخص القائم بالعمل، فإن كان يتهيب العمل أو يستصعبه نفسياً، فسيكون أداؤه للعمل مُكلفاً مجهداً، أما إذا كانت نفسه مهيئة ومستعدة للأداء، فسيصبح ذلك العمل في غاية السهولة واليسر..
3ـ التجربة الأولى لأي عمل جديد، فيها نوع من الهيبة والصعوبة، ولكن القيام بتلك التجربة الأولى، يجعل الطريق سالكاً ومفتوحاً أمام الإنسان، لتكرار ممارسة ذلك العمل.. فاضغط على نفسك لتقتحم أول تجربة، واطمئن بسهولة الأمر فيما بعد..
وكلما استطاع الإنسان النجاح فيها، كلما توفق في حياته، وقضى على خوفه إلى الأبد. فالإنسان الخائف المتردد، هو ذلك الذي لا يعرف، ماذا يفعل، وماذا سيحدث إذا فعل ذلك؟! ولكن التجربة، تعكس له مستواه، وتؤمنه في ما بعد، وتمنحه ثقة كاملة بنفسه.
يقول الأستاذ روبنسن في كتاب (تكوين العقل): (ينجم الخوف عن الجهل والحاجة إلى الثقة، ولكن ما سبب ذلك؟ إن هذا بدوره نتيجة لعدم معرفة ما نستطيع عمله على وجه الدقة، والسبب في هذا الأخير، حاجتك إلى التجربة. وعندما تحصل على تجربة موفقة تسندك، فإن جميع مخاوفك تختفي وتذوب كما يذوب ضباب الليل تحت أشعة شمس بولية المتوهجة ).
وفي هذه الأثناء، حيث يندفع الإنسان إلى تسجيل أولى تجاربه في موقف معين، يجب أن يوطد نفسه على مقاومة حالات الفشل، عبر الإيحاء الذاتي المتواصل، ويتصرف بكل ثقة، بعد أن يوحي لنفسه بأنه سوف ينجح في موقفه ذلك، وأنه سينتصر على كل حالة شاذة، قد تعتريه في تجربته، يقول: ديل كارنيجي في كتابه (التأثير في الجماهير عن طريق الخطابة):
( فلكي نشعر بالشجاعة، يجب أن نتصرف كما لو كنا شجعاناً بالفعل، ونستخدم كل إرادتنا للوصول إلى هذه الغاية، وعندئذ يغلب أن تحل نوبة الشجاعة محل نوبة الخوف ).
توثيق الصلة بالله
إذا دخلت بلداً تطاردك سلطاته، فإنك ستعيش في ذلك البلد بحذر شديد، وتحفظ كبير.. ستشك في كل حركة غريبة، وترتاب في أي شخص مجهول يتحدث معك، وتتوقع الخطر في أي لحظة من اللحظات.. أليس كذلك؟؟؟؟
أما إذا زرت بلداً لك علاقة وصلة بشخص الرئيس الحاكم، أو أحد مراكز القوة في تلك البلاد.. فستشعر بالاطمئنان الكامل، ولن تتهيب من أي أحد أو تخاف.. لماذا؟ لأن لك حماية وعلاقة تقيك الأخطار وتدفع عنك المخاوف..
وعلى نفس المعدل: إنك تعيش في هذا الكون، فمن هي السلطة الحاكمة والمسيطرة عليه؟ أليس هي سلطة الخالق جلَّ وعلا.. سلطة الله؟؟؟؟
فعلى مدى علاقتك وصلتك بالله سبحانه وتعالى، سيتوقف اطمئنانك واستقرارك النفسي.. فإذا ما كانت علاقتك بالله سيئة أو ضعيفة لا سمح الله، فلن تنعم بالاستقرار والأمن، بل يكون حالك كما يعبر الله تعالى عن المنافقين (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ)... أما إذا كانت علاقتك بالله جيدة ووثيقة، فسيغمر الاطمئنان قلبك، لأن الله هو السلطة المهيمنة، والمشيئة النافذة في هذا الكون معك.. ومن كان مع الله، كان الله معه..(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) ... (أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).... (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)....
وهذا هو معنى الحديث الشريف: ( من خاف الله أخافه الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء )....
التسلح بالفكر والعلم لوجه الله
مع تخلف الأمة الإسلامية، وتخليها عن تحمل مسؤوليات الرسالة في العالم.. وحينما انكفأت الأمة على ذاتها، وتمحور أبناؤها حول مصالحهم وشهواتهم.. بدأ خط فكري ومسار ثقافي منحرف، يسود أجواء الأمة وينتشر في صفوفها..
ذلك الخط الفكري والثقافي المنحرف، كان يركز على مظاهر الدين وشكلياته، ويولي اهتمامه لبعض الجوانب من الإسلام، متغافلاً عن سائر أبعاده. ويستهدف هذا الخط الانحرافي تبرير واقع التخلف في الأمة، وتكريس الذاتية والروح المصلحية، وبالتالي نسف جوهر الإسلام ومضمونه، ومحتواه الرسالي، والإبقاء على مظاهره وشكلياته فقط.. وطبيعة هذا الفكر السلبي التبريري، تخلق من الإنسان المؤمن شخصاً انعزالياً خانعاً، لا دور له ولا طموح.. ويعني ذلك أن تنمو لديه مشاعر الأنانية والمصلحية والخوف.. بينما تخبو في نفسه روح التقدم والبطولة والطموح..
وتلوث عقل الإنسان بالثقافة المتخلفة، يعزز الحالات السلبية في نفسه كالخوف ويكرسها.. باسم التقية والزهد والصبر، وانتظار الفرج، وعدم إلقاء النفس إلى التهلكة، وتقديس السلف الصالح، وعدم التدخل في السياسة، وحرمة التدبر في القرآن.. وبمختلف العناوين التي تعرضت مضامينها ومعانيها للتحريف والتشويه..
بينما الفكر الرسالي، والثقافة الإسلامية الأصيلة، تدفع الإنسان المسلم نحو التغيير والتطور والتغلب على سلبيات نفسه، وتجاوز الثغرات في ذاته، ثم تحمله مسؤولية التغيير في الواقع الاجتماعي المحيط به، بل ولا تقف طموحات الثقافة الرسالية عند هذا الحد، بل تدفع الإنسان والأمة المؤمنة، نحو القيام بدور قيادي رائد، على صعيد العالم كله، تحقيقاً لقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)...
وواجب الإنسان المسلم، أن يبحث عن الثقافة الأصيلة ويسعى للعلم والعمل بما تعلم، ليضمن لنفسه السير على طريق الله المستقيم، وليخلص من كل الرواسب والسلبيات والأمراض النفسية.. ووظيفة الإنسان المؤمن هي البحث عن الحق، وتجاوز سحب الباطل، وحواجز الضلال..إن الثقافة الاصيلة هي سلاح الإنسان في مقابل التخلف والانحراف، وهي التي تساعده على تجاوز حواجز الخوف، وسلبيات النفس، وتدفعه لتحمل مسؤولياته، والقيام بدوره الريادي في الحياة....
كونوا مع الصادقين
الإنسان بطبيعته الاجتماعية، لابد له من وسط اجتماعي يعيش فيه، ويرتبط معه.. ذلك الوسط الاجتماعي هو شبكة العلاقات والصداقات التي ينشئها الواحد منا مع الآخرين.. وتلعب هذه العلاقات والصداقات دوراً مؤثراً في حياة الإنسان، وتوجيه نفسه وسلوكه.. فقد يكون صديق واحد سبباً في شقاء الإنسان وضلاله، كما ينقل القرآن الحكيم ندامة وأسف من أضله أصدقاؤه عن طريق الله، يقول تعالى:
(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَاوَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً)...
ونظراً لتأثير العلاقات والأصدقاء في نفس الإنسان وسلوكه سلباً وإيجاباً وردت مجموعة كبيرة من النصوص والتعاليم الدينية، توجه الإنسان إلى ضرورة اختيار أصدقائه، وفق أسس صحيحة، وشروط معينة....
وعن رسول الله: ( فليكن جلساؤك الأبرار وإخوانك الأتقياء الزهاد لأن الله تعالى قال في كتابه "الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ" )....
وعنه: ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)....
هذه النصوص السابقة، والتجارب الإنسانية، تثبت مدى تأثير الأصدقاء في توجيه نفس الإنسان وسلوكه، سلباً و إيجاباً، فإذا ما انتمى الإنسان إلى تجمع يتصف أفراده بالسلبيات والانحرافات النفسية والسلوكية، فإنه معرض للانزلاق معهم، في مهاوي سلبياتهم وانحرافاتهم.. وعلى العكس من ذلك إذا توفق للانتماء لتجمع إيماني، تسوده الفضيلة والقيم، فإنه سيكسب منهم صفات الخير والاستقامة والصلاح....
كلمات أخيرة
لا أحد منا يرضى بالواقع المتخلف السيئ الذي تعيشه أمتنا وشعوبنا..
وقبل أن نبحث عن العوامل الخارجية التي فرضت علينا هذا الواقع... علينا أن نفتش في داخل أنفسنا، عن تلك الثغرات والنواقص والأمراض، التي أوصلتنا إلى هذا المستوى من الأوضاع... ومن أبرز تلك الثغرات والأمراض، هذا الشبح المرعب، والكابوس المخيم على نفوسنا وهو مرض الخوف..
الخوف من الفشل.. الخوف من المصاعب والآلام.. الخوف من القوة.. الخوف من الموت. الخوف من كل شيء مجهول..
الخوف هذا الشبح المزيف الذي يمنعنا من الإقدام، ويشلّ قدرتنا على التحرك، ويبقينا أسرى لضغوط واهية، وقوى ضعيفة..
إن علينا إذا ما أردنا تغيير واقع أنفسنا وأمتنا، أن نبدأ بالثورة على ذاتنا والتغيير في أعماق ذواتنا.. وان نواجه هذا الشبح العدو المزعج (الخوف) ونطرده من داخل نفوسنا.. لنتجاوز حاجز الخوف، وليفكر كل واحد منا فوراً في أن يصبح بطلاً شجاعاً، ويقتحم بالفعل كل ما كان يتهيبه ويخافه سابقاً من مجالات الخير والتقدم..
ولا يقتصر واجبنا على أنفسنا فقط بل نحن مسؤولون عن إصلاح نفوس كل أبناء مجتمعنا فلنعلن الثورة على الخوف..
ولتكن معركتنا مع شبح الخوف شاملة على كافة الجبهات، فنكافح الأفكار والآراء الخائفة الجبانة، والأساليب التربوية الخاطئة.. ومراكز القوى الخاضعة لإرهاب الخوف.. لنلفظ كل ذلك وبمختلف الوسائل والأساليب، حتى نطهر نفوسنا ونفوس أبناء مجتمعنا من جراثيم مرض الخوف الفتاك المعدي.. ولتزرع في نفوسنا ونفوس أبناء المجتمع، روح البطولة والشجاعة والإقدام....
وعندئذ يحق لنا أن نطمح للتغيير، وأن ننتظر التقدم، وأن نتوقع الحرية....
ألم يقل ربنا سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)؟؟؟؟
والله نسأل أن يعيننا على شرور أنفسنا، وأو يوفقنا لتجاوز السلبيات والنواقص والأخطاء، وأن يهدينا سواء السبيل إنه خير موفق ومعين..
تعليقات
إرسال تعليق