الأمة الإسلامية.... مصطلح لطالما سبب القلق والرعب للدول الغربية وللماسونية العالمية، ولذا عملت جاهدة وبكل ما أوتيت من قوة ومكر وخبث على تفكيك هذه الأمة الواحدة، وتفتيتها إلى دويلات ليسهل السيطرة عليها.... وما اجتمع الغرب الصليبي-الصهيوني على تباين أهدافهم مثلما اجتمعوا على هذا الهدف، وما حدثت عملية تقسيم أو تم التخطيط لها إلا أعقبها مباشرة إنجاز للصهيونية العالمية... وتجلت أول أعمالهم التقسيمية في إنهاء الخلافة العثمانية التي مثلت بالرغم من ضعفها ومفاسدها أهم الرموز السياسية لوحدة الأمة الإسلامية... وبعد أن تداعى الاستعمار الأوروبي على البلدان الإسلامية ولاسيما العربية توافق على تقسيم البلدان العربية ضمن معاهدة سايكس- بيكو عام 1916، وتم ترسم الحدود التجزيئية بين البلدان ليسهل الاستفراد بكل كيان سياسي، فأعقب ذلك بعام وعد وزير الخارجية البريطاني بلفور للصهاينة بإقامة وطن يهودي لهم في فلسطين، وبعد تقسيم الوطن العربي إلى ما يزيد عن20 دولة عمدت الماسونية العالمية وأدواتها إلى تقسيمها إلى أربع دوائر؛ الأولى:دائرة الهلال الخصيب التي تشمل العراق ودول الشام. والثانية: دائرة وادي النيل، وتضم مصر والسودان. والثالثة: دائرة الجزيرة العربية، وتشمل دول الخليج واليمن.والرابعة: دائرة المغرب العربي....
وحينما استطاعت بعض الدول العربية لا سيما المؤثرة في تلك الدوائر أن تستجمع قواها وتشكل قوة عسكرية واقتصادية مقتدرة في المنطقة أفزع ذلك الدوائر الاستعمارية الغربية والصهيونية، فطرحت مشاريع تقسيم "المقسم" وتجزئة "المجزأ"، وكان البدء بالدول العصية على المشروع الصهيو-صليبي وفي مقدمتها العراق...
قامت (نظرية الأمن الصهيوني) على ست دعائم، ومنها: تفتيت وتقسيم الدول العربية.... والعراق كان دائماً في طليعة الدول العربية المستهدفة بالتفتيت في ضمن قائمة من الدول العربية الأخرى...وفي تقـرير المنـظمة الصـهيـونية العالمية الذي نشرته مجلة (كيفونيم) «اتجاهات»الصهيونية الصادرة في 14 فبراير 1982م... جاءت عبارات صريحة تحكي ما يحدث للعراق الآن، وما يُدبَّر لسوريا من ذلك الأوان: العراق الغنيّ بنفطه، والفريسة للصراعات الداخلية، هو في مرمى التشتيت الصهيوني، وانهياره سيكون بالنسبة لنا أهم من انهيار سوريا!!!! لأن العراق يمثل أقوى تهديد للدولة العبرية في المدى المنظور....
وقبل ذلك ظهر كتاب في عام 1957م بعنوان (خنجر إسرائيل) للكاتب (ر. ك. كرانيجيا)، وقد تضمن ذلك الكتاب وثيقة عرفت باسم (وثيقة كرانيجيا)، على اسم ذلك الصحفي الهندي وكان الرئيس المصري الأسبق (جمال عبد الناصر) قد أعطاه إياها لنشرها، بعد أن تسربت من هيئة أركان الجيش الصهيوني، وهذه الوثيقة تتضمن مخططات مستقبلية حول تقسيم البلدان العربية تقسيماً جديداً بعد تقسيمات (سايكس بيكو)، وفيها اقتطاع دولة كردية في العراق، وأخرى شيعية في جنوبه! وعندما زار (بنيامين نتنياهو) واشنطن عام1996م؛ قدَّم له المحافظون الجدد من اليهود مشروعاً لتقسيم العراق، ليرتّب على أساسه سياسات الدولة الصهيونية العسكرية في المرحلة المقبلة، وقد أُعيد تطوير وتقديم هذه الأفكار في مشروع يحمل اسم (بداية جديدة) عام 2000م... ودعا المؤرخ الإسرائيلي (ببني موريس) في حديث إلى إحدى الإذاعات الأمريكية إلى تقسيم العراق بعد غزوه، وقال: «إن العراق دولة مصطنعة!!!!! رسمها الإنجليز، وخلطوا فيها عشوائياً شعوباً وطوائف لا تريد في الحقيقة أن تتعايش مع بعضها»... وهو المعنى نفسه الذي كان يردِّده المؤرخ الأمريكي اليهودي (برنارد لويس) الذي كان يَعدُّ العراق أيضاً كياناً غير طبيعي، قام على أساس خطأ تاريخي تسببت فيه إنجلترا، وإن احتلال العراق ثم تقسيمه فرصة لتصحيح ذلك الخطأ.
إن مشروع السيطرة واعادة تقسيم الشرق الاوسط والبداية بالعراق له عمق تاريخي وأبعاد عقدية وسياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية، وقد حظي باهتمام الباحثين وأصحاب القرار منذ أمد بعيد وأعدت دراسات ومؤلفات عدة لتغطية هذا الجانب وهي متجددة لتجدد تداعياته وتطوره على الساحة السياسية.
تقسيم العراق قبل الاحتلال الأمريكي:
مثّل تقسيم العراق إلى دويلات إثنية إحدى أهم الاستراتيجيات في السياسة الأمريكية التي رسخها اللوبي اليهودي في الإدارة الأمريكية، ولذا كان أحد أهداف الاحتلال ولم يكن وليدة الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، أو حتى نتاج الغزو الأمريكي للعراق، بل كان أحد أهم الأهداف الحقيقية الخفية للاحتلال، من أجل الحفاظ على المصلحة الأمريكية والصهيونية التي اقتضت إسقاط «الدولة العراقية»، والسيطرة على الموارد النفطية، وتقسيم العراق، فقد ذكر مركز «جلوبال ريسيرش» الكندي المستقل، وهو مجموعة بحثية إعلامية، في دراسة نشرت له في تشرين الأول - أكتوبر عام 2002: أن تقسيم العراق على أسس عرقية، وإعادة ترسيم الحدود القومية كان جزءًا من أجندة السياسة الخارجية والأجندة العسكرية للولايات المتحدة، وذكر مركز ستراتفور في تقرير له: أن إحدى الاستراتيجيات الأساسية طويلة الأمد التي يدرسها مخططو الحرب الأمريكية هي استراتيجية تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق منفصلة. وتحت هذه الخطة سينتهي وجود العراق، والدويلات هي: الأولى في وسط العراق الذي يسكنه العرب السنة وسيتم ضمه إلى الأردن ليشكل «المملكة الهاشمية المتحدة»، والثانية كردية في شمال العراق والشمال الغربي، بما في ذلك الموصل وحقول النفط الواسعة في كركوك، والثالثة شيعية في جنوب العراق، بما في ذلك البصرة، وعلى الأرجح سيتم ضمها إلى الكويت (أو إلى إيران)....
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية أن الهدف الأمريكي في العراق هو تشكيل مملكة هاشمية متحدة تضم بين دفتيها الأردن والمناطق السنية بالعراق. كما كرر ذلك للتليفزيون الروسي الخبير الصهيوني في شؤون «الإرهاب»، «إيهود سبرينزاك»، يوم 24سبتمبر، وأكد أن معدي خطة «المملكة الهاشمية المتحدة» هما «ديك تشيني» و«بول وولفويتز»، وهما من أقوى الصقور في إدارة بوش الابن...
وطرح كيسنجر مشروعاً في العام (1973) وأثير مجدداً في العام (1983) ولا يشمل تقسيم العراق فحسب وإنما يشمل تقسيم كل الدول العربية على أسس (إثنية وطائفية) وطرح مجدداً في العام (1998) عندما سن الكونجرس الأمريكي مشروع قانون «تحرير العراق»؟؟؟؟؟
وأما على مستوى الخطوات الإجرائية فيتمثل بالتالي:
-الضغط على مجلس الأمن لإصدار قرار يحدد المناطق الآمنة للأكراد والشيعة، وبموجبه فرضت أمريكا مناطق محظورة الطيران على الدولة العراقية لحماية الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال، دعماً لهما في بناء كيان سياسي مستقبلي يمكن الإفادة منه لاحتلال العراق ومن ثم تقسيمه.
-ترسيخ الولايات المتحدة الأمريكية فكرة تقسيم العراق (تحت عنوان الفيدرالية) (وحق الأكراد في تحقيق المصير) وعدّه واحداً من الخيارات المطروحة أمام المعارضة العراقية قبل الحرب على العراق في اجتماعها بلندن في نوفمبر 2001 ومن ثم في واشنطن في اغسطس 2002 وفي أربيل في اكتوبر 2002.
-دعم الإدارة الأمريكية للدراسات الداعية إلى تقسيم العراق ومنها ما طرحته جامعة تكساس من خريطة للتوزيع العشائري للعراق وحددت أسماءها ومناطق نفوذها (ومذهبيتها)ووضعتها كما يبدو أمام المخابرات الأمريكية لاستغلالها في تنفيذ فكرة التقسيم الإثني للسكان في العراق، وما اقترحه أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا والباحث في معهد (انترابرايز) الصهيوني (جون ديو) في مقال في صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) من التعجيل بتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم، وكتب أستاذ قانون أمريكي آخر، وهو (آلان توبول) أحد مستشاري الحكومات الأمريكية المتعاقبة، وأحد منظِّري اليمين الإنجيلي في إدارة بوش، كتب في موقع (Military) الخاص بالجيش الأمريكي مقالاً يدعو فيه إلى البدء في إنجاز مشروع تقسيم العراق، معتبراً أن دول العالم التي وصل عددها إلى 193 دولة لن يضيرها شيء إذا زادت من أعضائها لتصبح 196 دولة بعد نشوء الدول الجديدة في العراق!!!
مشروع التقسيم في أثناء الاحتلال
في هذه الحقبة سبقت الخطوات الإجرائية الدعوات التي أطلقها مسؤولون في الإدارة الأمريكية، والقرارات التي اتخذتها مؤسسات سياسية أمريكية، ولعل من أبرز الإجراءات التي اتخذتها القيادة الأمريكية تعزيزاً لمشروع تقسيم العراق ما يلي :
-إقرار المحاصصة العرقية والطائفية في تشكيل مجلس الحكم إبان الاحتلال الأمريكي.
-التأكيد على مسألة الأغلبية الشيعية والأقلية السنية (وهي أكذوبة فنّدتها دراسات عدة) وبناء القرارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على وفقها.
-تضمين بذور التقسيم في الدستور العراقي الجديد، ولا سيما في المواد المتعلقة بالفيدرالية شكلاً، والتقسيم مضموناً، ومعلوم أن صياغة هذا الدستور أُسندت إلى اليهودي (نوح فيلدمان)!
-تغيير قانون الجنسية العراقي وإصدار قانون جديد يمكن بواسطته منح الجنسية لآلاف العوائل القادمة من الخارج، وبشكل فوري وسريع اغتناماً للفوضى العارمة التي شهدها العراق؛ سعياً لاستيطانهم وتخندقهم لاسيما في المناطق الكردية والشيعية تنفيذاً لقرارات مؤتمر المعارضة في لندن في العام 2002.
-تغذية الفرز الطائفي والعرقي وترسيخ المحاصصة الجغرافية، ترغيباً بالتعويضات المالية، وترهيباً بتصعيد العنف الطائفي والعرقي، ومن ثم التمهيد لحرب أهلية تجلت بعد تفجيرات سامراء 2006، والغرض منها ترحيل الجماعات والعائلات إلى مناطق أغلبيتها، فكانت ضد العوائل السنية - وهي الأشد - في المناطق الجنوبية والعربية في المناطق الشمالية ولاسيما في محافظتي كركوك وديالى، وضد العوائل الشيعية في غرب العراق وشماله لترحيلهم طوعاً أوكرهاً إلى مناطق أغلبيتهم، كما أوعزت الإدارة الأمريكية إلى الأحزاب الموالية لها (الكردية والشيعية) لحث أتباعها على فعل ذلك لتتخذها ذريعة للقيام برد فعل معاكس مبرر ضد المناطق السنية المناهضة والمقاومة للاحتلال، تمهيداً لتقبل أطياف الشعب العراقي لمشروع التقسيم أو على الأقل عدم مواجهته، ففي لقاء مع صحيفة نيويورك تايمز شدد مسعود البرزاني على أنه يعتقد بأن الأمل الوحيد المتروك لتحقيق الاستقرار في العراق هو في تقسيمه إلى فيدراليات؟؟؟؟ والمفضل ثلاث:الأكراد في الشمال والسنة العرب في الوسط والغرب والشيعة في الجنوب، مؤكداً ان الأمريكيين وإن سعوا إلى تليين المطالب الكردية فإنهم مستمرون بإظهار الدعم لاستقلالهم الذاتي وحق تقرير المصير، في حين تزعم المجلس الإسلامي الأعلى في العراق على لسان زعيمه عبدالعزيز الحكيم وابنه عمار؛ دعوات بإقامة إقليم الجنوب على غرار إقليم كردستان، وتبناها في حملته الانتخابية، وسبق ذلك تحريض عشائر الجنوب ضد عشائر المنطقة الغربية برسالة موقعة من 67 عشيرة تطالب بالثأر والقصاص من عشائر الفلوجة، والمشاركة الفعلية في الهجوم على مدن الفلوجة وبعقوبة وسامراء وتلعفر، بل إن عضو الائتلاف العراقي (الشيعي) وائل عبد اللطيف نجح في إقناع الأمم المتحدة بإجراء استفتاء على جعل محافظة البصرة إقليماً مستقلاً لكن العشائر العربية أفشلت هذا المشروع، كما أن أطرافاً سياسية سنية بدأت بالتفكير الجاد في موضوع الإقليم السني بوصفه حلاً بديلاً للحفاظ على حقوق أهل السنة وحمايتهم، على الرغم من المعارضة الشديدة له من قبل المقاومة العراقية والقوى المناهضة للاحتلال.
لقد أثبتت الحقائق والوقائع أن التهجير لم يكن عملاً اعتباطياً أو رد فعل عاطفي كما يسوقه الإعلام الأمريكي والغربي والإعلام التابع له والملحق به، بل هو مخطط صهيوأمريكي إيراني أعد له قبل غزو العراق ونفذ باستخدام حرب التغيير الديموغرافي الذي طال جميع مدن ومناطق العراق لفرض واقع تضاريس طائفية سياسية تقود إلى تقسيم العراق، وذلك باستخدام وسائل التقطيع القاسي كالقتل والتعذيب والاغتصاب والتفجير والحواجز الكونكريتية والاعتقالات والمداهمات والتجويع ناهيك عن وسائل التقطيع الناعم السياسية والاجتماعية والقانونية والبحثية.. جميعها حزم ضغوط لإجبار أبناء تلك المناطق للمطالبة بدويلة الوسط نظراً لحجم الجرائم والظلم والتقتيل والتجويع والتهميش الذي مورس ضدهم بإرادة أمريكية.
وحتى الخدمات استخدمت في الترويج لمشروع التقسيم، فقد وصف أحد السياسيين العراقيين الفدرالية بأنها العلاج لأزمة الكهرباء والماء ونقص الخدمات وهي الدواء لمرض البطالة وأنها لا تهدف سوى إلى زيادة صلاحيات الأقاليم، وهذا الأمر بطبيعة الحال يمهد لمشروع التقسيم.
وفي تقرير لجنة (بيكر هاملتون) التي كلفتها الإدارة الأمريكية السابقة بوضع تصور عن حلٍّ للأزمة العراقية عام 2006م، قدم في أحد بنوده (تقسيم العراق) بوصفه أحد الحلول الناجعة لأزمة العراق.... وأصدر مجلس الشيوخ الأمريكي (الكونجرس) في 26/9/2007م قراراً ينصح فيه الحكومة الأمريكية بتبنِّي خطة تقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات؛ وافترض الكونجرس أن هذا الإجراء هو الحل الأمثل لإعادة الاستقرار إلى العراق! علماً بأن من قدَّم مشروع القرار إلى الكونجرس هو السيناتور الديمقراطي (جوزيف بايدن) رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ آنذاك، ونائب الرئيس الأمريكي حالياً، وكان معاونه (ليزلي) قد طرح في 25/11/2003م أفكاراً لتنفيذ مشروع التقسيم، نشرتها صحيفة (نيويورك تايمز)، في مقالة بعنوان (حل الدول الثلاث)، وتعاون (جوزيف بايدن) نفسه معه في شرح هذه الأفكار وتقديمها. وقد حظي هذا القرار بموافقة 75 عضواً في مجلس الشيوخ من أصل مئة.....
ما اتحدث عن تفاصيله هنا...هو امر واقع امامكم علينا استيعاب دروسه التي نعلمها جيدا ومع ذلك لا نحرك ساكنا..ورأينا ما حدث ويحدث في السودان...والوضع الوشيك في ليبيا من الدعوة لحكم فيدرالي...وما سيتم في بقية اوطاننا...فهل لنا عقول لنفقه بها؟؟؟؟
تعليقات
إرسال تعليق