القائمة الرئيسية

الصفحات

حرفة صناعة الجهل وتدمير الوعي في عالمنا العربي؟؟؟ بأيدينا لا بأيدي اعدائنا؟؟؟؟


حرفة صناعة الجهل وتدمير الوعي في عالمنا العربي؟؟؟ بأيدينا لا بأيدي اعدائنا؟؟؟؟

يقول الامام محمد عبده ( رحمة الله عليه ) : و ما اهلك الله قبيلا ( اي بلد ) الا ما بعدما اصيبوا بالافتراق فيما بينهم و ابتلوا بالشقاق.... فأورثهم ذلك ذلا طويلا... و عذابا وييلا ..ثم فناء سرمديا...

وقالها جبران خليل جبران .."أيها المراءون ! توقفوا عن الدفاع عن الله بقتل الإنسان...ودافعوا عن الإنسان كي يتمكن من التعرف إلى الله..."

لا أعتقد أن هناك من كذبوا على الله واستغفلوا عباده بقدر الذين يدمرون الوعي بارتداء عباءة الدين حاليا ...ولم يشهد التاريخ لصوصية مشرعنة كتلك التي يمتهنها الذين حولوا الدين والثقافة حرفة للعيش ودكانا للارتزاق ولافتة لكسب أصوات المؤيدين..
لا أشك البتة أن معظم العقلاء يشعرون أننا وصلنا إلى حالة من تزييف الوعي من خلال الدين وتدجين المفاهيم الدينية لصناعة وعيٍ تسطيحي تنويمي لا ينتهي بمجتمعاتنا سوى إلى مزيد من التيه والضياع في غياهب الوهم استمرارا لرحلة الألف عام من التيه... والانهزامية..
إذا أردنا أن نفهم طريقة تفكير مجتمعاتنا لابد أن ندرس مصادر صناعة وعيها بدقة كي نشخص العلة قبل أن نقفز إلى وصف العلاجات كما هو شأننا دائما...ما الذي يجعل مجتمعاتنا أكثر المجتمعات تخلفا وتطرفا وبعدا عن روح الأديان وتعاليمها التي أجمعت على تكريم الإنسان واعتباره الغاية من وراء الوجود والقيمة الأعلى في هذا الكون؟؟؟؟
لماذا نعجز عن صنع إبرة خياطة في حين نبدع في إنتاج ملايين الأطنان من الكلام في ترويج ناجح لبضاعة " اللغو المبرمج"؟؟؟؟؟ .. لماذا نملأ الدنيا صراخا في الدعوة للقيم والدفاع عنها في الوقت الذي نعاني إفلاساً مرعباً في منظومة القيم ونسجل أرقاما فلكية في حجم التقهقر في كل مجالات الحياة؟؟؟؟؟ لماذا لا يزال السياسي ورجل الدين هما من يوزعان الرزق والفضيلة كما يحلو لهما دون حسيب أو رقيب؟؟؟؟ أسئلة كثيرة وكبيرة طالما حيّرت الكثيرين وأنا من بينهم...
وفي اعتقادي أن السبب الرئيسي ببساطه هو طبيعة الدور الخطير الذي يمارسه الثنائي المذكور في لعبته المتقنة في صناعة الجهل المقدس...وحين يصبح الجهل مقدسا يمسي التغيير الحقيقي مستحيلا... ولا يسعني سوى الاعتراف أن ذلك الثنائي هو الأكثر نجاحا في مقياس الكم الجماهيري المعبأ والمشحون والمستعد للاندفاع كالطوفان لتدمير كل من يرفع صوتا أو يدلي بكلمة في محاولة لفضح الدور الخطير الذي يمارسه ثنائي التخوين والتكفير ...ولم يكن ذلك النجاح ممكنا لولا جبن المثقف وتقاعسه بل ورخصه في كثير من الأحيان...وبدلا من أن يكون المثقف صانع وعي نوعي أصبح أداة سلطوية لتزييف الوعي برفع شعار " ما يطلبه المستمعون..." بغية تحقيق المكاسب والمناصب إلى الحد الذي يمكننا فيه أن نقول ودون تردد أن المثقف في واقعنا وجه آخر للقهر والاستبداد والارستقراطية ولكن بمعناه غير المرئي ....

لقد صاغ شيوخ العصر عقلية المسلم على مبدأ المذهب الحق والفرقة الناجية والإمام المفترض الطاعة أو السلف الصالح إلى الحد الذي أصبح العقل الجمعي لمعظم المسلمين محكوما بترسانة من النصوص التي غيبت العقل لحساب النص وجعلت الحاضر محكوما بقيم مغلقة ومعايير روضت الأحياء على النظر للحياة والتعاطي معها بعيون الأموات إلى الحد الذي يكاد ينتفي فيه العقل المستقل لدي معظم المسلمين ليحل محله عقلا مستعارا ينوب من خلاله المفتي أو رجل الدين في التفكير نيابة عن الملايين التي تدين بالطاعة لفقهائها أكثر من ربها ونبيها.....لقد تحول الدين من بعده الإنساني كهدف سماوي إلى بعد قومي فئوي طائفي يخص فئة من الناس دون غيرهم ...ومنذ أن فقد الدين بعده الإنساني ، على يد الفقهاء، حتى فقد قيمته التربوية وتأثيره الروحي في خلق النموذج النبوي الذي لا ينتمي إلا للإنسان كقيمة عليا...وأصبح وسيلة لإستعباد أرواح الناس لا منهجا لتحرير عقولهم ...
ثم تحول الدين والحديث عنه بعد ذلك إلى حرفة ومهنة لا يسمح باحترافها إلا لمن حصل على الترخيص من المؤسسة الدينية وختمها المقدس...لقد أصبح دكانا بعد أن كان فردوسا مباحا حتى للملحدين وأصبح مخدرا بعد أن كان باعثا ومحفزا للتحرر والإنعتاق والعيش في ظل عدالة الله التي لا تفرق بين الراعي والرعية ولا بين الغني والفقير ولا بين المنتمي ولا المنتمي ...المقياس الأول والأخير هو تقديس إنسانية الإنسان وحمايتها لا حماية حرم الله في سمائه لأن الله "غني عن العالمين" ولم يرسل الرسل لحماية عرشه بل لتكريم إنسانه، لقد دافع الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام خلال حكمه عن حقوق اليهودي والمسيحي وجميع أتباع الديانات الأخرى كما دافع عن حقوق المسلم بدرجة سواء وكذلك كان على العكس تماما من مقاييس الفقهاء التي تحكم بنجاسة الآخر وبكفره ووجوب مقاتلته لا لشيء سوى أنه لا يرى رأيهم في الدين ...!

لهذا يمكننا أن ندرك السر الكامن وراء التركيز على شكليات الدين لدى معظم طبقات المجتمع على حساب مضامينه...فقد تجد الفرد منهم حريصا على العبادات والطقوس بشكل لافت لكنه مفلس على مستوى السلوك الاجتماعي في مجال المسؤولية تجاه الناس...ذلك أن مصادر صناعة وعيه الديني صورت له الدين على طريقة بابا القرون الوسطى في بيع صكوك الغفران شريطة أن يدين لقبيلتهم الدينية بالولاء.... وبعد أن صادرت عقله صادرت لسانه ولهذا لم يستطع أن يخرج من سجن المحرمات والمقدسات الفقهية ولا أظنه سيخرج يوما...لقد حرّموا عليه حتى الإطلاع على تجارب الآخر باعتبار ذلك الآخر " كافرا" أو مستعمرا وما إلى ذلك من دعاوى غير أن المفارقة أن معظم المسلمين الذين أتيح لهم أن يعيشوا في دول " الكفر" تمتعوا بإنسانية لم يتذوقوا شيئا منها في بلدانهم التي يحكمها الخلفاء والفقهاء منذ قرون...!!
أما دورالمثقف الرخيص في صناعة الجهل فلا يقل خطورة عن دور سابقه، إذ كان ذلك النمط من المثقفين ولا يزال ، في واقعنا العربي والإسلامي خصوصا،أداة لتجميل الوجه الكالح للسياسي المستبد والفقيه المأجور...ففي الوقت الذي فاضت فيه أقلامهم وتفجرت قرائحهم في تخليد (أمجاد) الحكام الذين تفننوا في تجويع واستعباد وتقتيل شعوبهم وتغنوا كثيرا بحروبهم العبثية وانتصاراتهم التي لم تكن سوى في مخيلة أولئك المتلونين،أصبحوا سادة المشهد الثقافي في الواقع الجديد وبشكل يدعو للدهشة والاستغراب...لقد استداروا دورة كاملة في ولائهم وغيروا حبر كلماتهم ونبرتها لتتماشى مع إيقاع المشهد الجديد...لقد إنتقلوا بين ليلة وضحاها من جوقة رخيصة للسلطان إلى مناصرين للمظلوم ومدافعين متحمسين عن حقوق المحرومين...وصدّق الجمع الجاهل كذبتهم مرة أخرى وهو على استعداد لتصديقهم للمرة المليون...!!!
مشكلة المثقف المرتزق عندنا كالعاطل عن العمل، كلاهما يراهنان على جهل المجتمع ويركبان موجه وكلاهما يتخذ الكلمة حرفة للعيش لا رسالة للحياة لهذا فهو حين يتكلم أو يكتب يفكر بسعر الكلمة أكثر من شرفها...وهذا النوع من الناس كالطفيليات التي لا يكفيها أن تقتات على دماء الآخرين بل تنفث سمومها القاتلة بأذهانهم...!!

ويبقى السياسي هو الرابح الأكبر في نهاية اللعبة ...فهو يشتري الفتوى كي يشرعِن بها أفعاله ويشتري الكلمة كي يجّمل بها وجهه ويسوّق مشاريعه في مجتمع تم تجهيله وتطعيمه بالانهزامية...

والسؤال لكم الان...ماذا تختارون بارادتكم؟؟؟ فكل نفس بما كسبت رهينة...
ورحم الله فولتير حيث قال: " من الصعوبة أن تحرر السُذّج من الأغلال التي يبجلونها..."!
هل اعجبك الموضوع :
التنقل السريع