"ما إن تبدأ الثورة تكذب وتخدع نفسها حتى تمضى مع الدين المزيف يدا بيد".
هكذا يقول على عزت بيجوفيتش عن علاقة "الثورة والدين" فى كتابه الاسلام بين الشرق والغرب.
فكل ما نعيشه الآن من كوارث له سبب واحد فقط هو " الدين المجرد" الذى يحتفى فيه المتدين بالشكل والمظهر فقط الى حد يبلغ "الهوس" مع الابتعاد كل البعد عن روح وجوهر الدين.
ففى عام 2009 أظهر استطلاع للرأي قامت به مؤسسة "جوبل العالمية" أن المصريين هم أكثر شعوب الأرض تدينا... وهكذا كان المصريون طوال تاريخهم الممتد لأكثر من 7 آلاف سنة أكثر شعوب الأرض تدينا... فهم أول من قالوا بالإله الواحد والحياة الأبدية "الخلود" والحساب والعقاب، وكانوا دائما ينزلون رجال الدين منزلة عالية رفيعة وهم حتى يومنا هذا يلجأون إليهم فى كل كبيرة وصغيرة في حياتهم اليومية ويحتل الدين رأس قائمة "السوفت وير" فى عقولهم.
وإذا كان الامر هكذا بشهادة مؤسسة عالمية فمن التباين والتناقض الشديدين وغير المقبولين أبداً أن يكون الشعب الاكثر تدينا فى العالم بهذا الوضع من تفشى الفساد فى كل مناحى حياته وعلى هذا القدر من التخلف والجهل والمرض وانخفاض معدلات العمل والإنتاج والتعليم والصحة والنظام والنظافة...بشهادة مؤسسة عالمية أيضاً وهى مؤسسة الشفافية الدولية:
فحسب تقرير هذه المنظمة فى سبتمبر 2009 تحتل مصر المركز 115 علي مستوي 180 دولة الاكثر فسادا في العالم وتقبع فى المركز الأخير على مستوى الدول العربية الاكثر فسادا.
فالانشغال بـ" الدين المجرد" قد بلغ حد "الهوس" , وأصبح يخدع صاحبه ويلهيه عن العمل الجاد والإنتاج والتعليم والتطور والإبداع... وهو ما جعل العقول تهجر "العلم" -أساس الثورة الصادقة- الذى اعتبره الفيلسوف المسلم الكبير "الفارابى" المصدر الأكبر للسعادة ولو عليه أن يختار بين العلم والمال، لاختار العلم لأنه لا يمكن أن يُقدّرَ بمال.
ولكن كما يقول الشيخ محمد الغزالى رحمه الله فى كتابه " السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث:
"لقد نجح بعض الفتيان فى قلب شجرة التعاليم الاسلامية فجعلوا الفروع الخفيفة جذوعا أو جذورا وجعلوا الاصول المهمة أوراقا تتساقط مع الرياح.
والنظام الذى كان يحكم هذا العالم كله أخطاء وخطايا... بيد أنه سيبقى يحكم ما دام لا يوجد بديل أفضل.
هل البديل الافضل جلباب قصير ولحية كثة ؟ أم عقل أذكى وقلب أنقى وخلق أزكى وفطرة أسلم وسيرة أحكم".
فإذا ظل الوضع يجرى على ما هو عليه الآن لن ينتج في النهاية إلا تغييراً في مظاهر السلطة؛ بينما تبقى كل الأمراض سالفة الذكر عصية على العلاج... وربما نعيد انتاج اسوأ بكثير من النظام السابق مرة أخرى ولكن السلطة هذه المرة ستكون فى يد تيار" الدين المجرد" المتاجر بمظهر الدين.