يوم عرفة أحد الأيام العشر التي أقسم الله بها منبها على عظم فضلها وعلو قدرها قال الله - عز وجل- : (وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) [سورة الفجر:2]. قال ابن عباس – رضي الله عنهما - : إنها عشر ذي الحجة ...ويوم عرفة أحد الأيام العشرة المفضلة في أعمالها على غيرها من أيام السنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما من عمل أزكى عند الله - عز وجل- ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى قيل: ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) رواه الدارمي وحسن إسناده الشيخ محمد الألباني في كتابه إرواء الغليل.
ويوم عرفة أكمل الله فيه الملة، وأتم به النعمة، قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- : إن رجلا من اليهود قال : يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال : أي آية؟ قال: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا) [ سورة المائدة:5]. قال عمر – رضي الله عنه- : قد عرفنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.
وقد جاء الفضل في صيام هذا اليوم على أنه أحد أيام تسع ذي الحجة التي حث النبي صلى الله عليه وسلم على صيامها فعن هنيدة بن خالد-رضي الله عنه- عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر : أول اثنين من الشهر وخميسين) صححه الألباني في كتابه صحيح أبي داود.
كما جاء فضل خاص لصيام يوم عرفة دون هذه التسع قال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن صيام يوم عرفة : يكفر السنة الماضية والسنة القابلة) رواه مسلم في الصحيح وهذا لغير الحاج وأما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف.
وأنه يوم العيد لأهل الموقف قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام ) رواه أبو داود وصححه الألباني.
اما عن عظم الدعاء يوم عرفة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال : خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) ....و دعاء ليلة عرفة :
سبحان من في السماء عرشه ، سبحان الذي في النار سلطانه ، سبحان الذي في الجنة رحمته .
سبحان الذي في القبور قضاؤه ، سبحان الذي في الهواء أمره ، سبحان الذي رفع السماء ،
سبحان الذي وضع الأرض ، سبحان من لا منجا منه إلا إليه
وعن كثرة العتق من النار في يوم عرفة قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة) رواه مسلم في الصحيح.
اما مباهاة الله بأهل عرفة أهل السماء فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء) رواه أحمد وصحح إسناده الألباني....و فيه ركن الحج العظيم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) متفق عليه....
هاهو يوم عرفات يعود ، كل عام وأنتم بخير ،الوقفة في عرفات تعني التجرد أمام الله الواحد الأحد ، هذه الوقفة التي يقفها الحجاج كل عام ...أغلب الحجيج يقفونها مرة في العمر ، يكونون قد صرفوا الكثير وحلموا كثيرا ، ليبلغوا هذا اليوم الكبير ...
هذه الوقفة التي نعاصرها كل عام وتهفو لها قلوبنا والأبصار ، ما هي فلسفة هذه الوقفة؟؟؟ هل هي أن نشخص جميعا لجبل الرحمة وننادي بالله أكبر ، ونرفع الأيدي بالدعاء، أو نقف لنتطهر من دواخلنا نقف أمام الله لنجرُد كل عام حساباتنا مع انفسنا ومع المحيط بنا ، ترى أي شيء دخل سجل حسناتنا وأي خطأ ذهب لسجل سيئاتنا؟ لنحاول ان نحسن من سجلنا ونرتب اولوياتنا...
عندما يقف كل فرد أمام الله واضعا سجل عمله أمامه ، سجلاً يفرده كل عام ، ويرى أي خطوات تركت أثرا جميلا ليطور بها ويعيد صياغتها امتناناً لله عز وجل . وعرفاناً بالحق الذي دفعنا إليه ... نعيد حساباتنا مع هفوات أفعالنا وصغائر أعمالنا ، نعيد التقييم ، نطهر بالتوبة ذواتنا...
يوم واحد في السنة لو وقف كل مسلم امام ذاته وسأل نفسه عما قدم لنفسه ولوطنه ، ومن ثم لأمته ..وهل ساهم في جمعها أم تفرقها ؟ وهل قال كلمة حق ولو صعب ذلك ؟؟؟؟
كل فرد مهما كبر أو صغر ، من رئيس أو قائد أو أي انسان يدين بهذا الدين العظيم الذي حررالإنسان من العبودية ورفعه مكرما ... فقط لو تذكر المسلمون أمر الله (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) ونفذوه وتنازلوا بعض الشيء ، وتقربوا بعض الشيء ..
ترى كم من الأبعاد والمسافات نستطيع أن نقلصها فيما بيننا ، ونتقرب أكثر ، فكيف من الممكن ان نتقرب من شعوب العالم بمختلف دياناتهم ومذاهبهم ونبتعد عن بعضنا البعض؟ كيف نتفرق لأسماء عديدة وقد وحدنا الله في سمائه ويجمع المؤمنين في يوم معلوم من كل عام ..
نرجم الشيطان كل عام، شيطاناً أكبر وشياطين صغارا ، فكيف نترك الشيطان الذي نرجمه يأتي لنا بألوان مختلفة ويفرقنا؟؟؟؟؟
للوقوف بعرفات فلسفة كبرى ، ولها رسالة عميقة ، لتلك الوجوه الناصيةل ربها التي تلهث باسمه عز وجل وتعالى .. الله أكبر ، أكبر من كل شيء ... ونحن نقف بين يديه ...ننتظر رحمته ونخشى عذابه ... فكما نخشى عذاب الآخرة نخشى عذاب الدنيا ، عذاب التفرق والتشرذم وأكل لحم بعضنا البعض بالباطل؟؟؟ وكوننا ملهاة وتجارب لأسلحة العالم تصقع رؤسنا كل حين...ومخططات التفرقة والتفتت؟؟؟؟
ان يوم عرفة لهو لتذكرة للجميع باليوم الذي نقف به جميعا امام بارئنا نحمل سجل اعمالنا...لا فضل يومها لعربي ولا اعجمي...ولا ملك ولا مسكين...الا بتقوى الله وصلاح القلوب...علنا نعتبر وننتهز الفرصة لتصفية قلوبنا واخلاص اعمالنا...فالفرص قد لا تتكرر كثيرااااا...
تعليقات
إرسال تعليق