احبابنا في الله...سنتناول موضوع الخدع البصرية بأكثر من طريقة...سواء اكانت تقنية او روحانية او بالحيل...ولكن دعونا اولا نقف وقفة تدبر وتأمل لقول الله تعالى : ( فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ . ومَا لا تُبْصِرُونَ) (الحاقة 38 ، 39 ).... وتوسيع مدلول هذه الآية وتعميق معانيها على ضوء الاكتشافات العلمية المعاصرة وإظهار الإعجاز العلمي وثبوت هذه الحقائق العلمية التي تنبأ بها القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً من الزمان...
أقوال الكتاب المعاصرين في هذه الآية:
يقول الدكتور عبد الباسط الجمل في كتابه "عالم الحياة بين القرآن و العلم": إذن يوجد في البيئة ما يعيش معنا، ولا نبصره، ولكن قد نبصره مستقبلاً، ولذا كانت دقة لفظ القرآن ( وما لا تبصرون) ولم يكن القول – ولله المثل الأعلى في قوله ( بما لن تبصرون) وذلك يمثل عطاءً من الله للإنسان ممثلاً في تلك القدرات العقلية التي منحه إياها ليستخدمها في كشف اللثام عن هذه الكائنات.
و يقول عبد الرزاق نوفل في كتابه "القرآن و العلم الحديث": إن التقدم في العلوم قد أثبت أن الوجود ينقسم إلى عالمين: عالم منظور, وآخر غير منظور. . فالأول هو كل ما يراه الإنسان سواء بعينه المجردة أم بالمجاهر والأجهزة المقربة، فكل ما في السماء وما تحت الأرض وما في قاع المحيطات وما في السحب وكل ما يمكن رؤيته بالعين إنما هو من العالم المنظور، والعالم غير المنظور قد أصبح حقيقة لا تقبل الشك والجدل . . ويقول العلماء أن هذا العالم أوسع وأرحب من العـالم المنظور وأكثر ازدحاماً! !..
و يقول د/عدنان الشريف في كتابه "من علم الفلك القرآني": أقسم المولى في الآية الكريمة بجميع مخلوقاته سواء كانت مرئية بالعين المجردة أو بواسطة المجهر والمرصد، أو غير مرئية كالأشعة المجهولة والملائكة والروح والجان والجنة والنار وكل الغيبيات . ربما كان ذلك ، والله أعلم ، لكي يتوقف الإنسان العاقل مطولاً أمام بديع الصنعة والإعجاز الكامن في كل خلق من مخلوقات الله بدءاً من أصغر جسيم في الذرة وهو "الكوارك" (Quark) وانتهاءً بأكبر المجرات وأبعدها.
و يقول الدكتور حامد أحمد حامد في كتابه "رحلة الإيمان في جسم الإنسان" أن العين تستطيع رؤية الموجات بين 400-700 نانومتر بينما لا تستطيع رؤية الموجات الأقصر مثل الأشعة فوق البنفسجية و الموجات الأطول مثل الأشعة تحت الحمراء.
كيف نبصر بأعيننا؟
إن كرة العين التي لم يتعدى وزنها 8 جرامات معجزة من الله تعالى ففي طبقة واحدة من طبقات شبكية العين يوجد 500 مليون خلية بصرية Rods and Cons Photoreceptors وإنه عندما تسقط أشعة الصورة على الشبكية تلتقطها خلايا ضوئية متخصصة منها 8 مليون خلية (المخاريط) متخصصة في الضوء الساطع و150 مليون خلية على جوانب الشبكية( العصي) متخصصة في الضوء الخافت...ويلعب فيتامين ( أ ) دوراً رئيسياً في رؤية الأشياء والألوان لأنه المصدر الرئيسي لمادة الرتينال Retinal.. وتحدث تغيرات كيميائية في أقل من البليون في الثانية. ويخرج من قاع العين العصب البصري Optic Nerve المؤلف من نصف مليون ليف عصبي الذي ينقل طيف الضوء إلى مركز البصر في الدماغ والذي يحولها إلى صورة مرئية، ويبلغ سرعة إرسال الصورة في العصب البصري ألف مرة في الثانية.
ومن حكمة الله أنه أثناء الضوء بالنهار والظلام بالليل تتبادل كل من العصي والمخاريط عملها لتمكن الإنسان من الرؤية في الظروف المختلفة. و لو لم يكن الأمر كذلك لهلكت. كما تتأثر بطريقة شديدة لو تعرضت لظلام أو إضاءة لفترة طويلة، فإذا اشتد الظلام وطال أصيبت العين بغشاوة وعميت لتوقف دورة فيتامين (أ) و الريتينول عن تكوين الرودبسين اللازم للرؤية في غياب الضوء. ومثال على ذلك ما حدث لجاجارين ورواد الفضاء الأولين عندما خرجوا من الأرض فلم يروا السماء إلى ظلاماً دامساً، مغطاة بالسديم المعتم ، والنجوم تتلألأ وراءه وصدق الله تعالى إذ يقول في محكم آياته :
( لَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقَالُوا إنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ)
الموجات الكهرومغناطيسية و العالمين المرئي و غير المرئي:
عندما قام إسحاق نيوتن (1642/1727) بوضع منشور زجاجي في مسار ضوء الشمس الذي يمر عبر شق طولي في غرفة مظلمة وتم استقبال الأشعة الناتجة على شاشة بيضاء ظهر شريط من الألوان يتراوح من الأزرق الغامق، إلى الأحمر القاتم ولأن ضوء الشمس معروف انه أبيض وزجاج المنشور شفاف لا لون له، فقد استنتج نيوتن أن الألوان كانت عناصر أو أجزاء من الضوء الأبيض وأن المنشور قد قام بتحليل الضوء إلى سبعة ألوان وهي الأحمر، البرتقالي، والأصفر، والأخضر، والأزرق، والنيلي، والبنفسجي.
والضوء هو شكل من أشكال الطاقة وهو جزء من الموجات الكهرومغناطيسية Electromagnetic waves والتي تبدأ من الأشعة الكونية الشديدة القصر ، ويزيد طول موجتها حتى تصل إلى الموجات اللاسلكية الطويلة التي تستخدم في الإذاعة. والعين تستطيع رؤية الموجات التي تتراوح طول موجاتها من حوالي أربعمائة نانومتر( النانومتر يساوي 1/106 مليمتر) للضوء البنفسجي إلى حوالي 700 ناتوميتر للضوء الأحمر spectrum) (Visible ولا تستطيع العين رؤية الموجات الكهرومغناطيسية المتبقية وهي ما فوق أو تحت التردد المذكور و هي الأشعة الكونية ، أشعة جاما، أشعة أكس، الأشعة فوق البنفسجية ، الأشعة تحت الحمراء ، أشعة الرادار ، والموجات الدقيقة الصغرى ، والأشعة الراديوية ، وتطبيقاتها في الحياة كثيرة ، وممكن رؤية تأثيراتها على أفلام حساسة ، مثل الأشعة تحت الحمراء Infrared rays وأشعة جاما Gamma rays وأشعة أكس X-rays .(12) أما عن الاستخدامات النافعة لأشعة اكس و أشعة جاما فحدث و لا حرج. فهما ينتميان للجزء غير المرئي من الموجات الكهرومغناطيسية فنحن لا نراهما بأعيننا و لا توجد وسيلة حتى وقتنا الحالي لرؤيتهما. لكننا قدعلمنا بوجودهما من واقع تأثيراتهما (على أفلام التصوير الحساسة مثلا) و من واقع الحسابات العلمية التي تؤكد ضرورة وجودهما. و من العجيب أن هذه الأشعة غير المرئية التي لا نبصرها تستخدم على نطاق واسع لإعطاء صورة مرئية نبصرها لما بداخل الجسم البشري من أعضاء لا نبصرها فسبحان القائل:فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ...
التقنيات الحديثة و توسيع دائرة الإبصار:
وقد ساهمت الاكتشافات والتقنيات الحديثة المعتمدة على الموجات الكهرومغناطيسية في توسيع دائرة الإبصار فأبصرنا ما لم نكن نبصره، فكم من الكائنات الدقيقة كانت مغيبة عنا حتى وقت قريب حينما تم اكتشاف المجهر الضوئي في القرن السابع عشر من الميلاد وأبصر الإنسان ما لم يكن يبصره من عجائب خلق الله من خلايا البكتريا والطحالب والفطريات وأصبح يرى كيف تتغذى وتتكاثر وكيف تغزو الميكروبات أجسامنا وكيف تتصدى لها كريات الدم البيضاء والتي تمثل عنصرا رئيسيا في جهاز المناعة وأثبت الإنسان بالميكروسكوب أن النطفة والبويضة ضروريان كلاهما للحمل وهذا بعد قرون عديدة مما ذكر في القرآن الكريم ورأى الإنسان في جسده كيف تتكون الأعضاء من أنسجة وكيف تتكون الأنسجة من خلايا وجاء المجهر الإلكتروني Electronic Microscope فإذا به يأخذ البصر إلى أفاق جديدة تماماً ويرى العلماء مكونات الخلية والحمض النووي DNA والجينات الوراثية والذي أعطى عمقاً في فهم علم الوراثة وتطبيقاته في علم الهندسة الوراثية.
ومن العجب أن المجهر الإلكتروني يستخدم أدق ما لا نبصر وهو الإلكترون ليرينا أدق مالا نبصر من مكونات الخلايا ووظائفها. و لا ننسى في هذا المقام التطور الهائل في التلسكوبات الفضائية والتي مكنت الإنسان من أن يبصر الأجرام السماوية البعيدة و يرى تفاصيل النجوم والكواكب.
بل ووطئت قدم الإنسان سطح القمر فرآه رأي العين وتفحص أرضه وأمسك بتربته وسيرت المركبات الفضائية تستكشف غرائب الكون وعجائبه وتنقل لنا صوراً تراها أعيننا لم تبصرها أعين السابقين، وكذلك أذن الله للإنسان أن يبصر عظيم آياته التي كانت من قبل غيباً لا تدركه أبصارنا أو كانت من ما لا يبصرون. أما عن المناظير الضوئية الطبية Endoscopes فقد تمكن الإنسان من أن يطوع الضوء ليسير في مسارات متعرجة باستخدام الألياف الضوئية بداخل هذه المناظير. وأمكن له بذلك رؤية أدق تفاصيل أجهزة الجسم المتعددة وأحدث ثورة في التشخيص المبكر للأمراض والأورام وإجراء أدق الجراحات اللازمة بدون مضاعفات، وأمكن إدخال مناظير دقيقة داخل الرحم لتصوير مراحل التطور للجنين منذ نشأته وساعد على فهم أشياء وحقائق في علم الأجنة ما كنا نراها من قبل و وصفها القرآن الكريم بدقة منذ أربعة عشر قرنا من الزمان. فمنذ خمس عشرة سنة صور العالم (لينارد نلسون Lennard Nilsson) مختلف مراحل تخلق الإنسان منذ بدء الحمل حتى الولادة ونال عن عمله المتقن جائزة نوبل للتصوير الطبي فقد استطاع المصور العالم أن يلتقط صورا رائعة للجنين في طور النطفة والعلقة والمضغة وطور تكوين العظام الذي يسبق بأسبوع فقط طور اكتساء العظام باللحم. وأحدث الميكروسكوب الإلكتروني ثورة في الجراحات الميكروسكوبية في جراحات نقل الأعضاء وجراحات الأوعية الدموية والأعصاب واستئصال الأورام من النخاع الشوكي واستئصال الغضروف.
ومما لم نكن نبصر أيضاً أموراً كانت تحدث في أزمنة شديدة الصغر كاتحاد جزيئات المواد فبالرغم من أمكانية رؤية الجزيئات الصغيرة مثل جزيئات المواد باستخدام الميكروسكوب فإن تفاعل الجزيئات لتكوين جزيئات جديدة كان مما لا نبصر لفرط سرعته ويأتي الوقت الذي يأذن فيه الله أن يبصر الإنسان هذا الحدث الفريد أيضاً وذلك باستخدام ما يشبه (الكاميرا ) تعمل بأشعة الليزر في زمان متناه في الصغر يبلغ 10-15 من الثانية وهو ما يسمى (الفمتو) ثانية وهو فتح جديد نبصر به ما لم نبصر من قبل من ملايين التفاعلات التي تحدث بين جزيئات المواد المختلفة.
والمتأمل فيما سبق يجد تلازماً عجيباً في استخدام ما نبصر كالضوء يمشي في الألياف الضوئية لنرى مالا نبصر كالأعضاء الداخلية أو استخدام أشعة الليزر لنرى تفاعلات الجزيئات وكأن الآيتين الكريمتين بالصورة التي ذكرتا بها تنبئان عن هذا الارتباط الوثـيق.
و لقد لعبت التقنيات الحديثة في التصوير الضوئي دوراً كبيراً في الحرب الإلكترونية والتجسس والأمن والسلامة ضد السرقات والإرهاب والكشف الجنائي وزادت في قدراتنا على إبصار ما لم نكن نراه من قبل من قرون من الزمان فاستخدمت بصمات الأصابع لمعرفة الجناة ثم تلا ذلك حديثا أسلوب تحليل الحامض النووي و هو أكثر دقة و إبهارا. كما استحدثت الكاميرات التي لها حساسية فائقة في التصوير الليلي باستخدام تكنولوجيا الأجهزة المرتبطة بالشحنات Charge-Coupled Devices (CCD). و يلحق بذلك أيضا الأنظمة الكهروبصرية Electro-optical systems المستخدمة في أجهزة الرؤية الليلية والتصوير الحراري بواسطة الأشعة تحت الحمراء ،و هي أنظمة لجمع الاستخبارات تستخدم في الحرب الإلكترونية وإرسال صور تلفزيونية أو فوتوغرافية تحت أي ظروف مهما كانت سيئة وفي الظلام الدامس و كل ذلك أمور لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة أو باستخدام آلات التصوير التقليدية...
و تستخدم الأشعة تحت الحمراء أيضا في الرصد الفضائي حيث يستخدم مركز علوم الفلك البريطاني في أدنبرة أحدث أنواع هذه الكاميرات و تسمى WFCAM حيث تغطي الصور التي التقطتها هذه الكاميرا لكوكبة أوريون مساحة تزيد 3600 مرة من تلك التي تغطيها الأشعة تحت الحمراء في تلسكوب هابل الفضائي.
وتستخدم الموجات فوق الصوتية (وهي موجات تصادمية لا نبصرها و لا تنتمي للموجات الكهرومغناطيسية) في تصوير الجسم و متابعة الحمل و يرجع لها الفضل الكثير في بيان مطابقة آيات تطور خلق الجنين للواقع وكل ذلك كان غيبا عنا حتى أمد غير بعيد. وللموجات فوق الصوتية أيضا استخدامات مفيدة في العلاج الطبيعي.
كما يستخدم الرنين النووي المغناطيسي في التصوير الطبي حيث يعطي صورا تشخيصية مبهرة للأنسجة الحيوية باستخدام مجال مغناطيسي فائق الشدة. و يعتبر هذا الأسلوب صيحة العصر في التصوير الطبي الدقيق.
و مما كان غيباً عنا لا نبصره حتى أظهره الله لنا قاع البحار و المحيطات، و ما فيه من عجائب خلق الله التي لم يكن متيسرا لأحد رؤيتها من قبل فإذ بالغواصات و الكاميرات ووسائل الغوص المختلفة تبصرنا بما فيه من آيات الله مما يخطف العيون و يجذب الأبصار لروعته و عظمته. قال تعالى " أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ " التوبة 40 .
و من المثير للدهشة أن الذين يولدون و قد حرموا نعمة البصر تولد معهم حاسة تجعلهم يميزون الأصوات بطريقة لا يستطيعها المبصر ويستطيعون تحديد الأبعاد وهو ما يسمى حاسة الكفيف السادسة. لذا يمكن القول أن هؤلاء الذين يفقدون البصر يبصرون بغيره أما الذين يفقدون الإيمان بالله فسيرون في الأرض آيات بينات تشهد على وجود الله وقدرته ولكنهم لا يبصرونها (أي بقلوبهم)، فمن فقد البصر لم يفقد شيئاً ومن فقد البصيرة فقد كل شيء.
يقول الله في سورة الحج( الآية 46): ( فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور) .
وبعد، فإن ما ذكر ليس إلا غيض من فيض من الآيات المتكشفة لنا و التي تبين لماذا أقسم الله عز وجل بما نبصر وما لا نبصر وكيف أن الله عز وجل يرينا ما لم يرى آبائنا وأجدادنا وكأنه كلما زادت الفتن والشبهات زاد تكشف الآيات المثبتات والدلائل المرشدات إلى صراط الله المستقيم وأنه كلما أنبهر الإنسان بالتقدم العلمي والتكنولوجي تكشف له ضآلة علمه أمام عظمة علم الله وقدرته وصدق الله إذ يقول: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد ..)...
وجه الإعجاز العلمي في الآية الكريمة
في قول الله تعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ. ومَا لا تُبْصِرُونَ)....
1- كان الاعتقاد السائد في الماضي أن الإبصار يحدث نتيجة خروج شعاع من العين يسقط على الجسم فتتم رؤيته، وقد ثبت خطأ هذا الاعتقاد بعد تقدم الدراسات التشريحية والوظيفية للعين، واستخدام العديد من التحليلات البصرية لفهم كيفية حدوث الإبصار... وقد أثبتت هذه الدراسات حدوث الإبصار نتيجة سقوط شعاع من الضوء على الجسم، ثم ينعكس من الجسم ليسقط على العين، وعملية الانعكاس تتم للون واحد ( طول موجي واحد) وهو جزء من الموجات الكهرومغناطيسية وهو من ألوان الطيف السبعة المكونين لشعاع الضوء المرئي ومن ثم فوجود شعاع الضوء أساسي لحدوث عملية الإبصار، فلا يمكن حدوث الإبصار في الظلام لعدم وجود الأطوال الموجية للأشعة المرئية والتي يمكن للأجسام امتصاص بعضها وعكس الأخر لترى به العين عند سقوطه على الشبكية. بينما لا تستطيع العين رؤية ما فوق وما تحت هذا المجال من الأطوال الموجية. و لم تكشف حقيقة الإبصار وعدم الإبصار وأهمية وجود الأشعة المرئية وغير المرئية إلا بعد تقدم الدراسات البصرية حديثاً وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الأهمية منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان في تلك الآية الكريمة.
2- ويظهر الإعجاز العلمي في الآيتين 38، 39 من سورة الحاقة حكمة الله في تعاقب الإبصار وعدم الإبصار كما في قوله تعالى في كتابه المبين:(وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة....) سورة الإسراء الآية 12. أي أنه من جوانب الإعجاز الكوني في القرآن الكريم تعاقب وتداخل الليل والنهار. فلا الحياة كلها مظلمة لا تبصر العين فيها لعدم سقوط الأشعة المرئية ولا هي كلها نهار مضيء تبصر العين فيه، بل إن الله جلت قدرته وزع الليل والنهار في الكون بما يشهد على عظمته وعلى قدرته في خلقه. والكشف العلمي الحديث لعلوم الإبصار يوضح أن الخلايا البصرية والعصي و المخاريط في الشبكية لها دور هام في عملية الإبصار في الليل و النهار فحكمة الله هو تمكنها من الرؤية في الظروف المختلفة و إلا هلكت أو تأثرت بشدة لو تعرضت إلى ظلام أو إضاءة لفترة طويلة و لتوقفت دورة فيتامين (أ) والريتنول عند تكوين الرودبسن اللازم للرؤية في غياب الضوء.
3- لفت القرآن الكريم، معجزة الإسلام الخالدة، النظر إلى ما توصل إليه العلماء ومازالوا يجدون في مكتشفاتهم البحثية وما توصل له العلم الحديث من تقنيات حديثة ووسائل للرؤية. كما لفت القرآن الكريم النظر إلى أمور لم نكن نبصرها لدقتها كخلايا البكتريا والطحالب والفطريات و كيف تتغذى وتتكاثر الميكروبات في أجسامنا وكيف تتصدى لها كريات الدم البيضاء وأجهزة المناعة وكيف أن النطفة والبويضة ضروريان للحمل. فهكذا تلفت الآيتان الكريمتان قبل قرون عديدة أنظار العلماء و أفكارهم إلى ما خفي عليهم من عظيم آيات الله في الكون مبشرة برؤية ما لم نكن نراه سابقاً.
4- والآية الكريمة أيضا تحث على طلب العلم والدعوة للاستمرار في البحث في أمور الدنيا لاستكشاف ما خفي على الناس مما يقرب العباد من الله و يصلهم به، فزيادة الإيمان تتأتى بالتفكر في آيات الله المنظورة في خلق الله في السماوات والأرض و ما بينهما و ما تحت الثرى.
ومما أحدثته التقنيات الحديثة، الكشف عما لم يكن يراه الإنسان من قرون مضت مثل التطور الهائل في علم الفضاء حيث لم يكن الإنسان يبصر الأجرام السماوية ويرى تفاصيل النجوم والكواكب ولا يزال هناك الكثير المجهول من المجرات السماوية الأخرى. و يبصر الإنسان ويكتشف كل يوم ما كان يجهله من آلاف السنين كاستخدام المناظير الضوئية و الميكروسكوبات الإلكترونية التي مكنت الإنسان من رؤية أدق التفاصيل في أجهزة الجسم وأحدثت ثورة في التشخيص المبكر للآلام والأورام. وكلما تقدمت التقنيات الحديثة في عملية الإبصار فإنها تساعد في عملية البحث والتنقيب وإظهار ما كان في عالم غير مرئي. و هذا هو ما أشار القرآن الكريم كتاب الله المبين إليه منذ أربعة عشر قرنا من الزمان وأنه ما كان خافيا على الأجيال السابقة أصبح واضحا جليا للأجيال الحالية والقادمة مما يحث العلماء و يحفز هممهم إلى بذل الجهد و الوقت و المال لاستجلاء المزيد مما لانزال نجهله و لا نبصره.
5- أنبأ القرآن الكريم بأن الإنسان سيعلم النشأة الأولى للأشياء يوم لم يكن الإنسان يعرف شيئاً ، يذكر عن هذه النشأة : (ولَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ)(24) ومنذ القرن الثامن عشر وحتى اليوم بدأ العلم يكشف مكونات الأشياء ، كما أنبأ القرآن الكريم بأن للذرة وزناً وبأنه توجد أشياء أصغر من الذرة لها وزن. واكتشف الإنسان منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم، الذرة وجزيئات الذرة، ووجد لبعضها وزناً: ( لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) [سبأ : 3] .
وقد أنبأ القرآن الكريم بأن السماوات والأرض قائمة على نظام أسماه بالحق (خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون) ( النحل : 3) ومنذ القرن السابع عشر وحتى اليوم لا يزال العلم يكتشف الكثير عن النظام الذي قامت عليه السماوات والأرض ، وقد اختصرها العلم اليوم بالقوى الرئيسية الأربع في الكون: قوة الجاذبية ، والقوة الكهرمغناطيسية ، والقوة النووية القوية ، والقوة النووية الضعيفة ، وأقسم المولى بأن هناك أشياء مرئية وغير مرئية ( فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون) الحاقة : 38، 39 . ومنذ القرن السابع عشر وحتى اليوم لا يزال العلم يكتشف قوى مرئية وغير مرئية (فسبحان الله حين تمسون و حين تصبحون. و له الحمد في السموات و الأرض و عشيا و حين تظهرون) [ الروم 17، 18].
تعليقات
إرسال تعليق