القائمة الرئيسية

الصفحات

هااام جدااا وخطير..حقيقة بلاك ووتر..فرق المرتزقة القاتلة.. أخطر منظمة سرية في العالم وعلاقتها بثورات الربيع العربي


هااام جدااا وخطير..حقيقة بلاك ووتر..فرق المرتزقة القاتلة.. أخطر منظمة سرية في العالم وعلاقتها بثورات الربيع العربي

"حربٌ بالوكالة" هذا ما يُمْكن أن نطلقه على الأسلوب الجديد الذي اتَّبعَته الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة في حملاتها الصِّهْيَو -صليبيَّة على أفغانستان والعراق مطلعَ القرن الجديد؛ فقد استعاضَتْ عن جنودها وجيشها بشركات مقاولات خاصَّة؛ لتزويدها بجيشٍ من المرتزقة السريِّين لتدعيم حربها البربريَّة على بلداننا الإسلاميَّة؛ والتي كان على رأسها شركة - أو منظَّمة - "بلاك ووتر"، ونجد أنَّ هذا الأسلوب ليس بجديدٍ في ذاته، فمنذ بدايات تاريخ الإمبراطوريات في العالم القديم نجد كثيرًا من الممالك استعانَتْ بقوَّات المرتزقة في جيوشها أثناء حملاتهم المستمرَّة على الشعوب الأخرى؛ كالرُّومان والفُرس من قبل، وحتَّى مرورًا بوقتنا الحاليِّ.
وفي خِضَمِّ ربيع الثورات العربيَّة، نجد نفس هذا الأسلوب يتَّبِعه أحد حكَّام العرب باستعانته بقوَّات من المرتزقة الأفارقة، ومتعدِّدي الجنسيَّات؛ لِقَمْع انتفاضة شعبِه وثورته الوليدة.
لكن الجديد هذه المرَّة هو الاتِّجاه الإيديولوجيِّ اليَمِيني المُحافظ لهذه المنظَّمة، هذا إلى جانب نُفوذها في رسم خريطة السِّياسة الأمريكيَّة الجديدة في المنطقة؛ أو كما يَصِفُهم "جيريمي سكاهيل" الكاتب والمحلل السياسي بأنَّهم "مرتزقة يقرِّرون مصائر دول وشعوب، وأيادٍ نافذة في غُرَف الحكم بواشنطن".
"جيريمي سكاهيل" كشْفَ اللِّثام عن منظمة "بلاك ووتر يو. إس. إيه"، ودورها في المَجازر التي ارتكبَتْها الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة في حربها على العراق بدون مُساءلة قانونيَّة أو خضوع لأيِّ محاسبة، أو تقيُّد بِمُعاهَدات دوليَّة، كذلك يبرز دور السَّاسة الأمريكيِّين و"البنتاجون" في جَعْل المقاولين الخاصِّين والمرتزقة السريين جزءًا لا يتجزَّأ من تركيبة الجيش الأمريكي، وعمليَّاته في حروبه المتعدِّدة بعد ذلك، "ففي مراجعة الأعوام الأربعة الأولى للبنتاجون في عام 2006 من حملتها ضد الإرهاب، أوجزَ "رامسيفلد" ما أسماه "خارطة طريق التَّغيير" في وزارة الدِّفاع، الَّتي قال: إنَّها بدأت في 2001، وقد حدّدت "القوة الشاملة للوزارة" بـ"مكوِّناتها العسكريَّة في الخدمة الفعليَّة، وفي الاحتياط، وموظَّفيها المدنيِّين، ومقاوليها (مرتزقيها)، الذين يشكِّلون قدرتها وإمكاناتها في خوض الحرب، ويخدم أعضاء القوَّة الشاملة في آلاف المواقع حول العالَم، مؤدِّين خليَّة واسعة من الواجبات لتنفيذ مهمَّات حرجة"

بلاك ووتر.. إستراتيجيَّة جديدة:

بالعودة لحادثة الفلوجة يوم 31 مارس عام 2004، عندما حاصر رجالُ المقاومة العراقيَّة أربعةَ جنود أمريكيِّين في سيارتي جيب، وقاموا بِقَتلهم وسَحْلهم في الشَّوارع بعد تقطيع أوصالهم، ثم ربط بقاياهم على جسر على نَهر الفرات لساعاتٍ مع الاحتفال الشعبيِّ لمواطني الفلوجة في مشهدٍ يُذكِّرنا بأحداث سَحْل شباب الصُّومال لقوات جويَّة أمريكية عام 1993 في مقديشيو، وعلى الفور تداولَت العديدُ من وسائل الإعلام اسمَ شركة "بلاك ووتر" في كثيرٍ من الغرابة، فقد تبيَّن - بعد ذلك - بعد كثيرٍ من التحليلات على القنوات الإخباريَّة الأمريكية أنَّ القتلى "لَم يكونوا عناصِرَ في الجيش الأمريكيِّ، ولم يكونوا "مدنيِّين" أيضًا... إنَّهم جنودٌ "خاصون" ذَوُو تدريبٍ عال جدًّا، أرسلَتْهم إلى العراق شركةٌ مرتزقة سرِّية تتمركَزُ في براري كارولينا الشمالية اسمها "بلاك ووتر يو.إس. أيه - Blackwater USA"
قصة بلاك ووتر في الولايات المتَّحِدة الأمريكيَّة تمثِّل تاريخ العمليَّات الحربية الحديثة بعد 11 سبتمبر، ففِكْرة الاستعانة بجيش مُوازٍ لجيش الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة لا تُطبَّق عليه أيُّ قوانين أو مُساءلة، كانت تُراود أذهانَ كثيرٍ من السَّاسة الأمريكيِّين، مثل "ديك تشيني" نائب الرئيس الأمريكي و"دونالد رامسفيلد" وزير الدِّفاع حتى قبل حدوث هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فقد صرح "رامسفيلد" أكثر من مرَّة برغبته في تحوُّلٍ واسع في إدارة البنتاجون لوزارة الدفاع، و"إحلال نموذجٍ جديد مكان البيروقراطيَّة القديمة لوزارة الدفاع، يرتكز على القطاع الخاصِّ.
بل وأعلن رامسفيلد - في أحَدِ لقاءاته - عن مبادرة رئيسيَّة لتمهيد الطَّريق أمام استخدام القِطَاع الخاصِّ في شنِّ حروبٍ أمريكا، بل هذا - عينه - ما كتبَه "رامسفيلد" صيف 2002 في مقالةٍ له في "فورين أفيرز" بعنوان "تحويل الجيش"، وفتحت رؤية "رامسفيلد" البابَ لواحدٍ من أكثر التطوُّرات مَغزًى في تاريخ العمليَّات الحربية الحديثة: الاستخدام الواسع للمقاولين - المرتزقة - الخاصِّين في كلِّ مَظهرٍ من مظاهر الحرب، بما في ذلك القتال"
ومن هنا بدأَتْ رحلة شركة مقاولات خاصَّة، اسمها "بلاك ووتر" للانضمام لركب "الحرب الشَّاملة على الإرهاب" التي ستُدار وفقًا لعقليَّة جنرالات الحرب في البنتاجون، والتي كانت مهمَّتُها إمدادَ الجيش الأمريكي بأرتالٍ من الجنود المرتزقة المدرَّبين على أعنف وأحطِّ الأساليب القتاليَّة في الحروب.

برانس.. والحرب الصليبية:

بلاك ووتر جيشٌ خاصٌّ يُسيطِر عليه شخصٌ واحد: "إريك برانس"، وهو مؤسِّس الشركة؛ اعتمادًا على مدَّخرات أُسْرتِه، والثَّروة التي ورثها عن أبيه، والعجيب في الأمر هو الأيديولوجية الأصوليَّة - الراديكالية لعائلة "برانس" التي توافقَتْ مع مفهوم "الحرب الصليبيَّة" التي أطلقها بوش الابن في بداية حربه على "الإرهاب"!
فبرانس "مسيحيٌّ يَمِيني راديكالي، ومليونير كبير، عمل مموِّلاً رئيسيًّا، ليس لحملاتِ الرئيس بوش الانتخابيَّة وحَسْب، بل لإستراتيجيَّة مسيحيةٍ يمينية أكثر اتِّساعًا، وفي الواقع، وحتَّى تحرير هذا الكتاب - موضع العرض - لم يُعطِ "برنس" قطُّ فلسًا واحدًا لمرشَّحٍ ديموقراطي"
فعائلة "برانس" منذ بداياتها في عالم الاستثمار الخاصِّ في مقاطعة "ميتشجين" كانت تهدف إلى بناء إمبراطوريَّة، والحفاظ عليها؛ استنادًا إلى القِيَم النَّصرانية المحافظة، والسِّياسة اليمينية المحافظة، وكانت لهم جهود واضحة في حدود مقاطعتهم؛ لِمُناهَضة حملات الإجهاض والتحرُّر الجنسيِّ، ومُظاهرات مثليِّي الجنس، وحبوب منع الحمل، وكذلك كانت الأسرةُ ضدَّ ازدياد عدد المهاجرين لأمريكا، وكثيرًا ما كانت تُساند المنظَّمات الكاثوليكيَّة المتطرِّفة ماليًّا؛ المساهمة بقوَّةٍ في دعم القضايا النَّصرانية الإنجيليَّة.
وقد اضْطُر "برانس" بعد وفاة والده المفاجئة إلى إنهاء فترة خدمته العسكريَّة في سلاح البحريَّة، والعودة لمتابعة أملاك الأسرة، وجاءته فكرة إنشاء "بلاك ووتر" من أحد مدرِّبيه في وحدته بسلاح الحربيَّة، وهو "آل كلارك"، حيث تبلوَرَتْ فكرة إنشاء شركة تدريبٍ عسكريَّة خاصة في عقليهما، وقاما بتنفيذها على الفور؛ مستغلِّين الثروة الطائلة التي ورثها "برانس" عن والده، "وكانت الفكرة المعلَنة وراء بلاك ووتر هي تلبيةَ الطلب المتوقَّع من الحكومة لمصادرِ سلاحٍ خارجيَّة، وما يتعلق بها من تدريبٍ أمني"
وفَتحَت حملةُ دعم "برانس" للمرشَّح الجمهوري "جورج بوش" في انتخابات الرِّئاسة البابَ لدخول بلاك ووتر من الباب الواسع لوزارة الدِّفاع الأمريكيَّة، حيث توافقَتْ أهداف برانس وشركتِه مع أفكار رجال بوش العسكريِّين لتوسيع دور الشَّركات الخاصة في الجيش الأمريكي.
وبعد أسابيعَ مِن أحداث 11 سبتمبر 2001 وقَّعَتْ بلاك ووتر عقدًا مع "الإف. بي. آي" بقيمة 610 ألف دولار؛ لتوفير التدريب المناسب لكلِّ جَناح من أجنحة الحكومة؛ مثل: شبَكة مكافحة الجرائم الماليَّة بوزارة المالية، ومراكز الخدمات الإدارية في الأمن القومي.

وكانت البداية:

في خلال عامين تصاعدَتْ أسهم بلاك ووتر وسطَ شركات المقاولات الخاصَّة، عندما خُوِّلَت في عقد جديدٍ مع الحكومة الأمريكيَّة بمهمَّة حماية كبار المسؤولين الأمريكيِّين في العراق، وعلى رأسهم "بول بريمر" الحاكم الفعليِّ للعراق عام 2003، وتوسَّعَت من ثَمَّ أرباحُ الشركة، وأعطي حُرَّاس بلاك ووتر ومقاولوها معاشاتٍ وأجورًا هائلة، مقارَنةً بالجنود الَّذين في الخدمة الفعلية للجيش الأمريكي في ذلك الوقت.
"ذكرَتْ مجلة "فورتشن" في ذلك الوقتِ أنَّ المعاش النموذجيَّ لمجموعة الحِرَاسة الشخصيَّة من المحترفين في العراق كانت في السَّابق بحدود 300 دولار للرَّجل الواحد في اليوم، وما إن أخذَتْ بلاك ووتر في التجنيدِ لمهمتها الرئيسية الأُولى وهي حماية "بول بريمر"، حتَّى قفزَت التَّعريفة إلى 600 دولار في اليوم"
ونتيجةً لنجاح بلاك ووتر في خروج "بريمر" من مستنقَع العراق "قطعةً واحدة" على قدَميه؛ كان آخر قرارٍ اتَّخذَه "بول بريمر" قبل خروجه من العراق في 28 يونيو 2004 هو إصدار مرسومٍ يُعرَف بالأمر "17"، يعطي حصانةً للمقاولين من المُلاحَقة القانونيَّة في العراق، وهو ما يَعني أنَّ البنتاجون ذاته لا يستطيع إخضاعَ شركات المقاوَلة للمُساءلة القانونيَّة جرَّاء أيِّ أعمال تعذيبٍ أو قتل في العراق؛ وذلك على العكس من الجنود الأمريكيِّين أنفسهم في الجيش الأمريكي الذين قد يتعرَّضون للملاحقة القانونية على الانتهاكات ذاتها.

بلاك ووتر.. فِرَق الموت العالمية:

لبلاك ووتر اليوم أكثرُ مِن ألفين وثلاثمائة جنديٍّ منتشرين في تسعة بلدان، بما في ذلك في داخل الولايات المتحدة نفسها، وهي تحتفظ بسجلٍّ بيانيٍّ لواحدٍ وعشرين ألف عنصر سابق في القوات الخاصة، والجنود، وعملاء تطبيق النِّظام المتقاعدين، الذين يمكن أن تَستدعِيَهم في أيِّ لحظة.
وتملك بلاك ووتر أسطولاً خاصًّا من عشرين طائرة، بما فيها طائرات هليكوبتر هجوميَّة، وفرقةٌ من مناطيد الرَّصد، ومقرٌّ الشركة، ومساحته سبعة آلاف فدَّان في كارولينا الشمالية هو أوسع منشأةٍ عسكريَّة خاصة في العالَم، تدرب فيه عشرات الآلاف من رجال الأمن الاتِّحاديين والمحليِّين في السَّنة، وقوات من دول خارجيَّة "صديقة"، بل وتدير الشركة كذلك فرقتَها الاستخباراتيَّة الخاصة، وحصلت على عقود حكوميَّة في السنوات الأخيرة بمبلغٍ يتجاوز خمسمائة مليون دولار، وهو فقط المبلغ الخاصُّ بصفقاتها المكشوفة عالميًّا كشركة أمنٍ خاصة، أمَّا حسابات صندوق عمليَّاتها "الأسود" فغير مُعلَن.
بل قامت بلاك ووتر في مايو 2004 بتسجيل قسمٍ جديد في الإدارة الأمريكيَّة من أقسامها أسمَتْه "غريستون ليميتد"، هذا القسم جعلَتْ مقرَّه في جزيرة "باربادوس" في الكاريبِي، وصنَّفَتْه الحكومة الأمريكيَّة على كونه "كيانًا مؤسساتيًّا" و"مُعفًى من الضَّرائب"، وقدَّمت بيانات إدارة "غريستون" الإعلانية للزبائن المحتملين "فرقَ قتال فعَّالة يمكن استئجارها لمواجهة المتطلَّبات الأمنية الطارئة، أو الموجودة لزبائنِ ما وراء البحار، فِرَقُنا على أتمِّ الاستعداد للقيام بجهودٍ في إعادة الاستقرار، وإحلال الحماية والإجلاء الطارئ للعناصر".
وعرضَتْ أيضًا مجالاً واسعًا من الخدمات التدريبيَّة - الدِّفاعية والهجوميَّة - لمجموعاتٍ صغيرة، وتفاخرَتْ غريستون بأنَّها "تتعهَّد وتُدرِّب قوَّة عاملة اجتُذِبت من قاعدة منوَّعة من المحترفين الذين كانوا سابقًا في العمليَّات الخاصة، والدفاع، والاستخبارات"
ومن أهمِّ البلدان التي تمثِّل قاعدة الأيدي العاملة للشركة: الفلبين، وتشيلي، ونيبال، وكولومبيا، والإكوادور، والسِّلفادور، وهندوراس، وبنما، والبيرو، وأغلب مجنَّدي هذه البلدان لدَيْهم سجلٌّ سيِّئ في انتهاكات حقوق الإنسان، وإرساء مبادئ الديكتاتوريَّة لِحُكَّامها، بل إنَّ أغلب الأيدي العاملة من دولة تشيلي على وجه الخصوص كانوا من فِرَق الموت التي تدرَّبت وخدمت في عهد النظام الوحشيِّ للديكتاتور "بيونشيه"، ورغم ذلك يتفاخَر "جاري جاكسون" رئيس فرع الشركة بمهارتهم، قائلاً: "الكوماندوز التشيليون محترفون جدًّا، ويتلاءمون مع نظام بلاك ووتر".
وتنوَّعت أعداد المرتزقة وجنسيَّاتُهم الذين وفَدوا على العراق مع فتح باب العمالة في شركة بلاك ووتر ومثيلاتها من الشَّركات، بعد حادث الفلوجة، حيث أخذَتْ بلاك ووتر تقود صناعة المرتزقة إلى مستوًى من المشروعيَّة لم يَكُن يمكن تخيُّله من قبلُ في أعوامٍ سابقة، ويمكن مُطالعة أسماء فِرَق المرتزقة الوافدة لِمُطالعة كيف "تمَّ فتح الباب على مصراعيه لانضمام أوباش المرتزقة لوليمة أبناء العراق، فقد كان من بينهم: قوَّاتُ دلتا، القبَّعات الخضراء، الرانجرز، المارينز، جهاز الاستخبارات الجويَّة الخاصة البريطانية، الرانجرز الأيرلنديين، جهاز الاستخبارات الخاصة الأسترالي، الغوركاس النيبالية، الكوماندوز الصِّربي، القوات الفيجية، قوات "الكوفويت" الجنوب إفريقيَّة - قوات التمييز العنصري السابقة في جنوب إفريقيا - قوات "غروم - الرعد" البولندية، الكونترا من نيكاراجوا، طيارين وقوات مظلاَّت بلغارية، قوات قتل خاصَّة من هندوراس والسلفادور، وكذلك قوَّات مُهمَّات خاصة ومكافحة إرهاب من إسرائيل... وأخيرًا بعض المقاتلين الأردنيِّين.
"عندما غادر بريمر العراق عام 2004، بلغ عددُ الجنود المرتزقة أكثرَ من عشرين ألف جندي داخل حدود البلاد، وأصبح العراقُ يُعرف باسم "الغرب الهمجيِّ"، لكن من دون شريف "عمدة"، وسيتمُّ التعاقد مع هؤلاء المرتزقة بمبلغٍ يفوقُ - بانتهاء سنَةِ خروج بريمر - الملياري دولار من الأعمال الأمنية، بما يصل إلى 30 % من موازنة "إعادة بناء العراق"

قَتْل.. بدون مُساءلة:

اتَّبع مرتزقة بلاك ووتر في العراق سياسةَ "اقتل.. ثم تحقَّق بعد ذلك إن كان هو العدو"، ونتيجةً لعدم وجود أيِّ مُساءلة قانونيَّة، أو مُلاحَقة قضائية لأيِّ أعمالِ قتلٍ يقوم بها مقاولون؛ فقد سُجِّلت العديد من قضايا القتل الفرديَّة التي أَمِن فيها من العقاب حُرَّاسُ بلاك ووتر المتورِّطون فيها، وتم كشفها صحفيًّا.
يقول سكاهيل: "ماذا فعلَتْ هذه القوات في العراق؟ كم قتلت من الناس؟ وما هو عدد الذين قُتلوا منها أو جُرحوا؟ تَبْقى كلُّها أسئلةً بدون أجوبة؛ لأنَّه ما من أحدٍ يُشرِف على نشاطاتهم في البلاد، وحتى إعداد هذا الكتاب لم يُلاحَق أيٌّ من مقاولي الجيش الأمريكيِّ بسبب جرائم ارتكبت في العراق"
• نشرَتْ "لوس أنجيلوس تايمز" أنَّه في مايو 2004 وأثناء تأمين مهمَّة خروج "روبرت كالاهان" المتحدِّث باسم السفارة الأمريكيَّة في بغداد، وبالمرور عبر حيِّ المصباح في بغداد، قام حُراس بلاك ووتر المؤمِّنون للموكب بإطلاق النَّار - بدون إنذارٍ، أو بادرة خطر - على سيارة "أوبل" كانت تُقِلُّ ثلاثة أشخاص، وأصابت سائق السيارة "محمد نوري حطاب" في كتفه، وقتلَتْ "يس علي محمود ياسري" ابن التِّسعة عشر عامًا، قال أحد المسؤولين الأمريكيِّين تعقيبًا على الحادث: "راجعَ مسؤولو السفارة عملية إطلاق النار، وحددوا أن اثنين من موظَّفي بلاك ووتر كانا في القافلة ذلك اليوم، لم يتبعا الإجراءات لإنذار "حطاب" بالتوقُّف، وعوضًا عن ذلك قاما بفتح النار قبل الأوان".
• تفاخر أحد مقاولي بلاك ووتر بحالة قتلٍ لأحد العراقيِّين استَخدم فيها ذخيرةً غير قانونيَّة في سبتمبر عام 2003، أثناء تعرُّضهم لكمين شمال بغداد، وقام أحد مرتزقة بلاك ووتر، واسمه "بن توماس" بتزويد رشَّاشه بذخيرة تجريبيَّة لم يوافق الجيش الأمريكيُّ على استخدامها تسمَّى بـ"المزيج المعدني"، وجاء في وصفها: "يمكن لتلك الرصاصات اختراقُ الفولاذ وغيره من الأهداف الصلبة، لكنها لا تخترق صدر الإنسان، أو كتلة بسماكة ثمانية إنشاءات، أو حتى عدَّة طبقات من الجدران غير المطينة، وبدلاً من اختراق الجسم تتحطَّم محدثةً جروحًا لا تُعالَج".

يصف "توماس" قتْلَه المهاجم العراقي بطريقة تفاخريَّة، قائلاً: "دخلَتْ رصاصتي عجُزَه، ودمَّرت كلَّ شيء تقريبًا في الجزء الأسفل من بطنه... كل شيء تمزَّق، والطريقة التي أشرح فيها ما حصل لأناسٍ لم يكونوا حاضري الواقعة هي: أنَّ هذه المادة أشبه بإصابة شخصٍ ما برصاصة متفجِّرة مصغَّرة، لَم يصدِّق أحدٌ أن هذا المرء قُتِل جراء إصابة في العجز".
وعندما عاد توماس إلى القاعدة بعد إطلاق النار، قال: إن رفاقه المرتزقة كانوا "يتقاتلون" على الباقي من تلك الرصاصات؛ لاستخدامها في المرات القادمة.
• في اقتحام الفلوجة في 4 أبريل عام 2004 انتقامًا للكمين الذي أُعِدَّ لرجال بلاك ووتر الأربعة في 31 مارس، شنَّت القوات الأمريكيَّة الجوية على المدينة نحو سبعمائة غارة جويَّة ملحِقة أضرارًا، ومدمرة 18 ألفًا من أبنية الفلوجة التسعة والثلاثين، ثم دخلت قوات المرتزقة المدينة، وقامت بذبح وقتل قرابة الـ 600 - 900 عراقي في خلال عملياتها في المنطقة في خلال أيام معدودة، وقاموا بالكتابة على أحد أعمدة الجسر - الذي عُلِّقت عليه أَشْلاءُ جنودها الأربعة الذين قُتلوا في الكمين - عبارة "هذا من أجل أمريكي بلاك ووتر الذين قتلوا هنا، تبًّا لكم".
يصف أحدُ مَن رأوا اقتحام القوات الأمريكية وقوَّات بلاك ووتر للفلوجة ما حدث بقوله: "أطلَق القنَّاصة النارَ - من دون تمييز - على أيِّ شيء يتحرَّك، حتَّى سيارات الإسعاف كانت تَحْمل وبكثرةٍ آثارَ ثقوب الرَّصاص عليها"، وأفاد أحدُ سكَّان المنطقة بأنَّ "السُّكان حوَّلوا ملعبَيْن لكرة القدم إلى مَقْبرة".
• أواخر 2005 تَمَّ وضع (فيديو) على إحدى صفحات الإنترنت، بدا أنَّه يُظهر مُقاولين أمنيّين خاصين يطلقون النِّيران على سيارات مدنيَّة تسير على الطرق الرئيسية في العراق، وبدا (الفيديو) حسب وصف "الواشنطن بوست" كأنه صُوِّر من كاميرا مركَّزة عند النافذة الخلفيَّة لسيارة "أس. يو. في"؛ "حيث تضمَّن مقتطفاتٍ صغيرةً لسيارات يتمُّ رشُّها بنيران أسلحة رشَّاشة على وقع موسيقي "ألفيس بريسلي" تسمَّى "القطار الغامض"، وتضمَّنت نسخة وضعت بعد ذلك ضحكات وأصوات لرجال يتبادلون المزاح مع بعضهم البعض إبَّان إطلاق النار، وتَم بثُّ المشاهد على نطاق واسع على الفضائيات العربيَّة، وأدَّت إلى تنديدٍ من عدَّة أعضاء في الكونجرس"، وحَدَّد تحقيقٌ - قام به قسم التَّحقيق الجنائيِّ التابع للجيش في الحادثة - طبيعةَ الحادث بأنَّه "ليس هناك من أسبابٍ محتمَلة تدعو إلى الاعتقاد بحصول جريمة"، وقرَّر أن الحوادث المسجَّلة تأتي "في سياق قواعد استخدام القوَّة"!

فيما بين الخليج الأمريكي.. وخليج بحر قزوين:

تطلُّعات بلاك ووتر لم تكن محدودةً فقط في الحروب الدوليَّة التي تخوضها الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، بل تفوَّقت قواتها على معظم الوكالات الفيدرالية في "نيو أورليانز" عقب حدوث إعصار "كاترينا" المدمِّر عام 2005؛ إذْ سرعان ما انتشر المئات من مرتَزِقيها في المنطقة المنكوبة، وقامت وزارة الأمن الداخلي باستخدامهم رسميًّا للعمل في الخليج الأمريكيِّ، وقد أرسلَت الشركة للحكومة الاتِّحادية فواتير بقيمة 95 دولارًا في اليوم الواحد لكل جندي من جيش "بلاك ووتر"، "وفي أقلَّ من سنة كانت الشركة قد حصَّلت أكثر من 70 مليون دولار من عقود فيدرالية مرتبطة بالإعصار؛ أيْ: نحو 243 ألف دولار في اليوم الواحد"
ووصَف رجالٌ من بلاك ووتر طبيعةَ أعمالهم في "نيو أورليانز" بأنَّها كانت "حماية الجوار، ومواجهة المُجرمين"، ففي وسط مئات الآلاف من ضحايا الإعصار انتشرَتْ أعمال السَّلب والنهب، واستباحة القانون والفوضى، ولكن بالطبع لم تكن بالشَّكل الذي يستلزم نشر قوات مرتزقة خاصَّة داخل الولايات المتَّحِدة الأمريكيَّة، فقد كان أغلب السُّكان خلال الإعصار عبارةً عن مجموعةٍ ضائعة يائسة تطلب فقط الطَّعام والماء والمأوى!

وعلَّق "مايكل راتنر"، رئيس مركز الحقوق الدُّستورية على هذا الأمر، قائلاً: "إنَّ هذا الانتحال للنَّفس بمهمَّة حفظ النِّظام يُبَرهن على الانهيار التامِّ للحكومة، وقد تصرَّفَت هذه القوَّة الأمنية الخاصَّة بوحشيَّة، ومن دون عقابٍ في العراق، ووجودهم الآن في شوارع "نيو أورليانز" مخيفٌ وربَّما غير قانوني"
نمط آخَر من الأعمال داخل الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة تم إسناده لمرتزقة بلاك ووتر، وهو حماية الحدود بين المكسيك والولايات المتَّحدة؛ للحدِّ من ظاهرة التسلُّل غير الشرعيِّ للمهاجرين، وتم نشر قوَّاتهم خلال عام 2005 على طول الحدود، وأيَّد كثيرٌ من النُّواب الدَّاعمين لشركة "إريك برانس" هذه الخُطْوة، مؤكِّدين أنَّ تلك الميليشيَّات "تشكِّل برهانًا على التأثيرات الإيجابيَّة لحضورٍ متزايد عند الحدود الجنوبية الغربيَّة، ولا يمكن إنكارُ أنَّ المزيد من عناصر دوريَّات الحدود سيُساعد على خَلْق حدودٍ أقوى، ويخفض من العبور غير الشَّرعي الذي قد يشمل إرهابيِّين دوليين"، بل ومرَّرَ مجلسُ النوابِ الأمريكيُّ في 18 مايو 2005 أوَّلَ مشروعِ قانونٍ لوزارة أمن أرض الوطن، يوافق على استخدام نحو ألفَيْ عنصرٍ جديد من عناصر الدوريَّات الحدودية الخاصة بالقطاع الخاصِّ وشركات المقاولات.
أما على خليج بحر قزوين - وبالتَّحديد في "جورجيا" - فقد أُسند لشركة بلاك ووتر دورٌ حيويٌّ في إطارِ الحرب الباردة بين الولايات المتَّحدة وروسيا في الاستيلاء على موارد نفط بحر قزوين، حيث أثبتت التقديرات وجود ما يصل إلى 230 مليار برميل من النفط في المنطقة؛ أيْ: ما يُعادل ثمانية أضعاف الاحتياطي الأمريكي المثبت.

وبحلول عام 2002 تم الشُّروع في بناء خطِّ أنابيب كبير لبحر قزوين لِنَقل النفط، بلغ طوله 1100 ميل، وبالطَّبع لاقى اعتراضاتٍ واسعةً من جانب الدُّب الروسيِّ الذي هدَّد بتصعيد الحرب على جورجيا، ووصف المسؤولون الأمريكيُّون أهمية هذا المشروع بأنه "سيُضعف قبضة موسكو على خناق شبكة خطِّ الأنابيب الإقليميَّة، ويترك إيران جانبًا"
وعلمت إدارة بوش بأنَّ خطَّ الأنابيب سيحتاج إلى الحماية في كلِّ بلدٍ يمرُّ عبره؛ لذا قامَتْ بإطلاق مشروعٍ رسمي عام 2003 أسمَتْه "الحارس القزويني" لتدعيم القدرات العسكريَّة في كلٍّ من كازاخستان وأذربيجان وجورجيا مع إنشاء شبكةٍ واسعة من الكوماندوز، وقُوَّات العمليات الخاصة لحماية عمليَّة استخراج النفط والغاز عبر خط الأنابيب الكبير بتكلفة تبلغ 135 مليون دولار، هذا غير السَّبب الرئيسي لتدخُّل قوات بلاك ووتر في مثل هذه البلدان وهو إتمام عمليَّة "الحرب على الإرهاب" في تلك المنطقة التي تعتبر موردًا رئيسيًّا للمجاهدين، إلى جانب تضييق الخناق على إيران وروسيا اللَّتين تعارضان أيَّ تَقارُبٍ بين دول منطقة خليج بحر قزوين والولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، وفي إطار تلك العمليَّات صرَّح دبلوماسيٌّ غربي لجريدة "الجارديان": إنَّ الولايات المتحدة الأمريكيَّة "تبحث إقامة منطقة عمليَّات متقدِّمة يمكن فيها تخزين المعدَّات والوقود في شكلٍ مُشابه لِمُنشآت الدَّعم في الخليج"؛ حيث "يمكن دمج الخطوتين؛ لتوفير قاعدة واقعيَّة - معدات مخزنة وجيش جورجي مُوالٍ - من دون العناء الدبلوماسي في إقامة قاعدةٍ دائمة"
آخر عمليات بلاك ووتر التي تَمَّ كشف اللِّثام عنها حديثًا: هو انتشار قوات المنظَّمة في جنوب السُّودان ودارفور؛ لدعم جيش الجنوب السوداني، وتدريبه في إطار تقسيم السُّودان لدويلتين، والذي تم أواسط العام الحالي.

فرسان المائدة المستديرة:

رغم البعد الإستراتيجيِّ الواسع الذي وصلَتْ إليه بلاك ووتر في السنوات الأخيرة؛ فالمنظَّمة ترتكز على بُعدٍ إيديولوجي أكثر خطورة، فنجد أنَّ مفهوم عمليات بلاك ووتر في العراق كانت تدعيمًا للحملة التي أطلقها "جورج بوش"، والذي صرَّح بأنَّها "حربٌ صليبيَّة" جديدة، ونجد بعض مُديري بلاك ووتر التنفيذيِّين يتَباهَوْن بانتمائهم إلى "فرسان مالطا" ذات السِّيادة، وهي ميليشيا نصرانيَّة، شُكِّلت في القرن الحادي عشر، قبل الحملة الصليبية الأولى، وآلت على نفسها مهمَّة الدفاع عن "الأراضي التي استولى عليها الصليبيُّون من المسلمين".
ويتفاخر فرسان مالطا اليوم بكونهم "تابعين ذوي سيادةٍ للقانون الدوليِّ، ولهم دستورهم الخاصُّ، وجوازات سفرهم، وأختامهم، ومؤسَّساتهم العامة، وتربطهم علاقات دبلوماسيَّة مع 94 دولة"
مِمَّا يعني أنَّ الشركة تتبنَّى خوض معركةٍ ملحميَّة للدِّفاع عن النصرانيَّة، "وما يبدو أنَّ بلاك ووتر تنتَصِر له وتتصوَّره، هو جيش خاصٌّ من الوطنيِّين الذين يخافون الله، ويحصلون على معاشات جيِّدة، ومُكرِّسين لخدمة أهداف الهيمنة الأمريكيَّة، ويدعمه جنود بيادق من دُوَل العالم الثَّالث، يمكن التضحية بهم، ويتلقَّون معاشات ضئيلة، وللكثيرين منهم إرثٌ في الأنظمة الوحشية القمعية المدعومة من الولايات المتَّحدة، أو في فِرَق الموت"
يقول نائب رئيس بلاك ووتر "كوفر بلاك"، الجاسوس المخضرم السابق، تعليقًا على سياسة الشركة: "ربَّما بدا الأمر بعض الشيء أشبه بفرسان المائدة المستديرة، لكن هذا ما نؤمن به"!

المرتزقة.. الخيار الجديد:

يقول "جيريمي سكاهيل: "لَم يعد استخدام المرتزقة خيارًا؛ بل أصبح سياسة أمريكيَّة".
ويبدو واضحًا للعيان أنَّ خيار المرتزقة هو الخيار الجديد للأنظمة القمعيَّة؛ لترويض شعوبها، فالحكومات لا تحتاج - بمساعدةٍ من المرتزقة - إلى التَّجنيد الإجباريِّ أو حتَّى إلى دعم شعبها الخاصِّ أو جيشها الوطني لخوض حروب عدوانيَّة أو وقائية، ولا تحتاج كذلك إلى ائتلاف الدُّول "المريدة" لمساعدتها، فشركات المرتزقة والمقاولات الخاصة، وعلى رأسها بلاك ووتر تعرض تدويلاً بديلاً للقوة، وخيارًا خاصًّا جديدًا من خلال تجنيد جنودٍ مرتزقة خاصين من كافَّة أنحاء العالم، وبذلك يستطيع كلُّ مَن يملك المال أن يصنع جيشه الخاصَّ وسط صمتٍ دولي متَّفقٍ عليه.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع