القائمة الرئيسية

الصفحات

هاااام جدا...النظام العالمي الجديد:عـولمـة الالتفــاف والسيطرة والتحكم

 هاااام جدا...النظام العالمي الجديد:عـولمـة الالتفــاف والسيطرة والتحكم
يعد مصطلح «النظام العالمي الجديد» من أهم المصطلحات السياسية المعاصرة' لكنه من أكثرها غموضاً لما يرتبط به من عقائد وأجندات خفية. لكنه عند الباحثين المحققين يعبِّر عن تنظيم ماسوني على غرار منظمة الأمم المتحدة – بل هو امتداد لها – يهدف إلى أن يَستَبدل بالحكومات ذات السيادة المستقلة حكومةً عالميةً باطنيةً تتخذ من القدس عاصمة لها.
فالنظام العالمي الجديد إذن هو «أممٌ متحدةٌ» لها حق التدخل عسكرياً وسياسياً واقتصادياً في سيادة أي دولة لا تنصاع لهذا النظام الماسوني. وقد أشار إلى هذا الدور الاستبدادي «ستانفيلد تيرنر» عضو «مجلس العلاقات الخارجية» ومدير الـ CIA الأسبق عندما علَّق على أزمة الخليج قائلاً: «هنا أحد الأمثلة؛ ألا وهو الوضع القائم بين الأمم المتحدة والعراق؛ حيث تتدخل الأمم المتحدة عامدة في سيادة دولة مستقلة... هذه سابقة رائعة ينبغي أن توظَّف في كل الدول»[2]. وها هو النظام العالمي الجديد يوظفها فعلاً في أفغانستان وليبيا وساحل العاج، وسيظل يوظفها مع الأمم حتى يتم القضاء على كل قوة يمكن أن تقف في وجهه.
من دعائم هذا الاستبداد العولمي تدمير القدرات العسكرية للأمم ونزع السلاح بحجة منع الفوضى ونشر السلام؛ بينما لا يزداد الغرب الصليبي إلا تسلُّحاً. وقد أصدرت وزارة الداخلية الأمريكية عام 1961م خطة بعنوان «التحرر من الحرب: برنامج الولايات المتحدة لنزعٍ شاملٍ وكاملٍ للسلاح في عالم مُسالم» تطرَّقَت فيها إلى ثلاث مراحل لنزع السلاح من الأمم، وتسليحِ الأمم المتحدة في المرحلة الأخيرة؛ عندها «لن تمتلك أيُّ دولةٍ القوة العسكرية لمواجهة قوة السلام التابعة للأمم المتحدة التي ستتزايد قوَّتها تدريجياً»

النظام العالمي الجديد مصطلح استخدمه الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطاب وجهه إلى الأمة الأمريكية بمناسبة إرسال القوات الأمريكية إلى الخليج بعد أسبوع واحد من نشوب الأزمة في أغسطس ١٩٩٠م وفي معرض حديثه عن هذا القرار، تحدث عن فكرة عصر جديد، و حقبة للحرية، و زمن للسلام لكل الشعوب. وبعد ذلك بأقل من شهر ١١ سبتمبر ١٩٩٠م، أشار إلى إقامة نظام عالمي جديد يكون متحررا من الإرهاب، فعالا في البحث عن العدل، وأكثر أمنا في طلب السلام؛ عصر تستطيع فيه كل أمم العالم غربا وشرقا وشمالا وجنوبا، أن تنعم بالرخاء وتعيش في تناغم. الأمر ..حكم! وكلمة نظام هي ترجمة لكلمة Order الإنجليزية المشتقة من الكلمة اللاتينية Order بمعنى خط مستقيم ونظام. والكلمة مبهمة للغاية تعني مثلا الترتيب المنظم والمتواتر و هرم السلطة والقوة الذي يتم بمقتضاه تطبيق أحكام بعينها وفرضها و الالتزام بالقانون و الدرجة أو الطبقة أو المرتبة و الطلب و ضرب أو نوع أو طراز. ولكن الكلمة أيضا مرادفة لكلمة motiod و system كما في عبارة the order of nature أو the order of tings بمعنى نظام الطبيعة (أو سنن الطبيعة في المصطلح الإسلامي)، فالكلمة تشير من ثم إلى مجموعة من القوانين والمفاهيم والسنن التي تتسم بقدر معقول من الثبات عبر مرحلة زمنية طويلة نسبيا، يتحرك الواقع بمقتضاها ولا يمكن فهمها بدونه، فهي مصدر هوية النظام جوهره وتعبير عنها في آن واحد. ولذا، فـإن جوهر النظام العالمي هو مجموعة القوانين والقيم الكامنة التي تفسر حركة هذا النظام وسلوك القائمين وأولوياتهم واختياراتهم وتوقعاتهم. أخلاقيات الإجراءات يقول دعاة النظام العالمي الجديد إن ما يدعو إليه النظام هو شكل من أشكال تبسيط العلاقات وتجاوز العقد التاريخية والنفسية والنظر للعالم باعتباره وحدة متجانسة واحدة. والنظام العالمي الجديد، حسب رؤيتهم، هو نظام رشيد يضم العالم بأسره، فلم يعد هناك انفصال أو انقطاع بين المصلحة الوطنية والمصالح الدولية وبين الداخل والخارج. وهو يحاول أن يضمن الاستقرار والعدل للجميع بما في ذلك المجتمعات الصغيرة، ويضمن حقوق الإنسان للأفراد، وهو سينجز ذلك من خلال مؤسسات دولية رشيدة مثل هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية والبنك الدولي وقوات الطوارىء الدولية. وبإمكان كل الدول أن تستفيد من الخبرة الدولية في إدارة شؤون الداخل وتكييفه مع النظام العالمي الجديد. وسيتم كل هذا في إطار ما يقال له الشرعية الدولية التي تستند إلى هذه الرؤية، وإلى المقدرة على تحويلها إلى إجراءات، تماما كما حدث في حرب الخليج حينما تم صد العدوان العراقي على الكويت. والنظام العالمي الجديد لا يخلو من التناقضات، ولكنها تناقضات حسب رأيهم يمكن حسمها دون حاجة إلى الصراعات العسكرية إذ إن ثمة إجراءات رشيدة يمكن من خلالها حل كل التناقضات. وهو نظام يدعو إلى تطبيق المثل الديمقراطية حيث يخضع كل شيء لما يسمى أخلاقيات الإجراءات، أي الاتفاق على قوانين اللعبة وإجراءاتها دون الانشغال بالماهية أو بالأهداف. وعلى كل يرى دعاة النظام العالمي الجديد أن اللواء قد انعقد أخيرا لأخلاقيات الديمقراطية الليبرالية، بتأكيدها على دور المؤسسات وحقوق الإنسان وسيادة القانون داخل الدول وفي النظام العالمي ككل. فلسفة التغيير! والعالم من منظور دعاة النظام العالمي الجديد في حالة حركة دائمة وكما قال أحد دعاة النظام الإنسان لا ينزل النهر نفسه مرتين، وقد نسب هذا القول لإفلاطون المسكين صاحب الفكر المثالي لا لهيراقليطس صاحب الفكر المادي ثم استطرد قائلا: المرحلة الحالية في النظام العالمي لا تتشكل من منظور أيديولوجي مسبق لأنها تمثل تطورا لم يتوقعه علماء السياسة الدولية، حتى إن القواعد الثابتة في التسابق الدولي- مثل الاستحواذ على عنصر التفوق أو المحافظة على ميزان القوى- قد تغير مضمونها ومحتوياتها. و المسرح الدولي يتغير في أولويات اهتمامه وفي القيم التي يطرحها في أسلوب التعامل الدولي وفي دور القواعد السياسية ووسائل الاتصال في اتخاذ القرارات. و بالنسبة للولايات المتحدة، تزامن ذلك مع انتخابها للإدارة التي طرحت واقعيا وفعليا تعبر عن الوعي الذي تبلور جماهيريا و (تحاول) بلورة ردود على التساؤلات الجديدة التي طرحت واقعيا وفعليا في مشكلات مستجدة على المسرح العالمي، أي أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تغيرت وتغيرت رؤيتها. وهكذا تغير النظام الإمبريالي القديم، المبني على توازن القوى والرعب الذي يصدر عن المنظومة الدارونية، أصبح دون مقدمات نظاما عادلا يدعو إلى الديمقراطية رغم أنه كان يدك القرى في فيتنام منذ عدة سنوات، ولا يزال ينظر للجرافات الإسرائيلية بإعجاب شديد. ثم يتوجه كاتبنا إلى العرب معلقا على هذا العالم المتحرك الخالي من المثاليات بقوله: وعلى العرب أن يعلموا أنهم لا يعيشون أبدا في العصر نفسه، ولا يخضعون دوما للثوابت نفسها. ولا يمكن أن يظلوا دون خلق الله جميعا ينكرون ما يجري ويدور في عالمنا، متجاهلين التاريخ والجغرافيا وما يحدث فيهما من تغير، وهكذا أصبح النظام العالمي الجديد من سنن الحياة وجزءا من النظام الطبيعي. النجاح المزعوم ويرى دعاة هذا النظام أن بوسعه أن يحقق قدرا معقولا من النجاح بسبب وسائل الإعلام الغربية العالمية على حد قولهم التي حولت العالم كما يظنون إلى قرية صغيرة. فتدفق المعلومات يجعل المعلومات متاحة للجميع، الأمر الذي يحقق قدرا من الانفتاح في العالم وقدرا كبيرا من ديمقراطية القرار، وقد أدى انهيار المنظومة الاشتراكية والتلاقي Convergence بين المجتمعات الغربية الصناعية، واختفاء الخلاف الأيديولوجي الأساسي في العالم الغربي، إلى تقوية الإحساس بأن ثمة نظاما عالميا جديدا وإلى أنه لم تعد هناك خلافات أيديولوجية تستعصي على الحل. ويرى المدافعون عن هذا النظام أن الخطر الذي يتهدد الأمن لا يأتي من الخارج وإنما من الداخل، من قوى تقف ضد الديمقراطية وضد تأسيس المجتمع على أسس اقتصادية وعلى أسس التكيف مع النظام العالمي، هذه القوى هي التي تجر الداخل القومي إلى صراع مع الخارج الدولي بدعوى الدفاع عن الكرامة أو الاستقلالية أوالشخصية القومية أو الرغبة في التنمية المستقلة، وهي تكلف الداخل ثمنا فادحا، ومن المنطقي أن يتصور المبشرون بهذا النظام أن القيادة فيه لا بد أن تكون للقوة الاقتصادية العظمى، أي للمجتمع الصناعي الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فإن الدول كلها يجب أن تنضوي تحت هذه القيادة، وثمة افتراض كامن بأن المجتمع الأمريكي الذي يفترض أن الدافع الأساسي في سلوك البشر هو الدافع الاقتصادي لابد أن يصبح القدوة والمثل الأعلى. هذا الكلام البسيط الجميل لابد أن تكون وراءه رؤية معرفية كاملة، فهذه هي طبيعة الخطاب الإنساني. وهنا قد يتعلل دعاة النظام العالمي الجديد بأنهم عصريون نسبيون لا يميلون إلى إطلاق التعميمات، ولا يؤمنون بأي قيم ثابتة أو مطلقات، ولا يتوجهون إلى الأسئلة المعرفية الكلية ولا يعترفون بوجود كليات، فكيف يمكن أن تحدد أبعاده المعرفية النهائية إذا؟ وقد يقولون: إننا دخلنا عصر ما بعد الأيديولوجيا وما بعد الحداثة وما بعد التاريخ بل ما بعد الإنسان؛ عصر المابعديات السائلة التي تحل محل الماقبليات الجامدة المطلقة، فثمة سيولة فكرية في الفكر الحديث تتناقض بطبيعتها مع فكرة النسق الفكري المتكامل والقيم الكلية. وهذا إلى حد كبير صحيح، فثمة سيولة لا يمكن إنكارها، ومع هذا، تظل عبارة النظام العالمي الجديد دالا يشير إلى مدلول؟ إذ إننا، رغم سيولته، نراه من الخارج ونسمع صوته ونرصد حركته التي تترك أثرها علينا وعلى عالمنا ونرى أن ثمة منظومة معرفية قيمية متكاملة كامنة وراء هذا النظام الشامل السائل، شأنه في هذا شأن أي نظام آخر، منظومة تتجاوز ادعاءاته وديباجاته واعتذاراته، بل قد تكون حالة السيولة هذه وادعاء أن الدال ليس له علاقة قوية بأي مدلولات وكليات هي أيديولوجية هذا النظام، أي من الممكن أن يكون إنكار كل القيم هو قيمته الكبرى والنهائية، وتأكيد النسبية المعرفية والأخلاقية هي قيمته المعرفية والأخلاقية الكبرى والنهائية، وتأكيد النسبية المعرفية والأخلاقية هي قيمته المعرفية الكبرى والنهائية، وتأكيد أن العالم في حركة دائمة هو قانونه الثابت. النظام العولمي! وفي محاولة معرفة هوية هذا النظام لا بد أن نقرر ابتداء أن هذا النظام شأنه شأن أي نظام إنساني لم يولد من العدم اللاتاريخي وإنما داخل التشكيل الحضاري والسياسي الغربي ويحمل معالم هذا التشكيل، وهو نظام يدور في إطار العلمانية الشاملة. وقد لاحظنا أن الواحدية الإنسانية، في غياب المرجعيات المتجاوزة، تنحدر لتصبح واحدية إمبريالية عنصرية إذ يصبح أحد الشعوب هو الأنا المقدسة السوبرمان التي ترى بقية البشر السبمان والطبيعة\ المادة باعتبارهما مادة محضة يمكن هزيمتها وتوظيفها. وقد أعلن الإنسان الغربي في عصر نهضته أنه الأنا المقدسة وأن العالم قد انقسم ببساطة إلى الأنا والآخر، والقوي والضعيف، الغازي والمغزو، المسلح والأعزل، الغرب وبقية العالم بالإنجليزية: the west and the rest. في هذا الإطار المعرفي ولد ما يسمى النظام العالمي فالعالم لم يعرف نظما دولية أو عالمية إلا بعد الثورة الصناعية وظهور التشكيل الإمبريالي الغربي بشقيه الاستعماري الاستيطاني والاستعماري العسكري. فقبل ذلك التاريخ كان من الممكن أن تنشأ إمبراطورية في الصين وأخرى في الهند ثم تختفي دون أن تترك أثرا يذكر على سكان أوروبا، على سبيل المثال إلا بشكل غير مباشر وغير محسوس لمن يقع عليه التأثير، وكانت أجزاء من الكرة الأرضية، مثل الأمريكتين وأستراليا ونيوزيلندا غير معروفة للعالم القديم. ولذا، كانت تظهر في الأمريكتين أمبراطوريات على درجة كبيرة من التركيب ولكنها مع هذا لا علاقة لها ببقية العالم، وكان يمكن أن يحدث اشتباك بين حضارتين أو أكثر حروب الغرب مع الشرق الإسلامي المعروفة بحروب الفرنجة- الاجتياح التتري للعالم الغربي ولشرق أوروبا، ولكنه كان يظل اشتباكا ثنائيا أو تلاقيا غير عالمي. أما في عصر النهضة الغربية، فقد بدأ الإنسان الغربي يتسلل تدريجيا إلى أرجاء المعمورة ويستولى عليها، وبدأ يؤسس جيوبا استيطانية في بعض الأماكن، وقد استمرت هذه العملية إلى أن تحول العالم بأسره إلى ساحة لنشاطه، خاضعة لهيمنته، تتبع قوانينه،و لذا يمكن القول بقدر كبير من اليقين أن النظام العالمي الجديد يضرب بجذوره في التشكيل الإمبريالي الغربي، وأن معالمه بدأت تتحدد مع منتصف القرن التاسع عشر حينما بدأ هذا التشكيل يعي ذاته كحركة مسرحها العالم بأسره، وحينما أدرك ضرورة أن يقسم العالم وأن يتحول إلى مادة استعمالية: مصدر للموارد الطبيعية- مصدر للطاقة العضلية الرخيصة- سوق تباع فيه السلع- حيز يمكن أن تصدر له المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسكانية الخاصة بأوروبا. هذا يعني أن النظام الإمبريالي نظام عالمي بمعنى أن مسرحه العالم ولكنه نظام مغلق تم إغلاقه حتى يتسنى لصاحب النظام ومؤسسه أن يعظم من استغلاله للعالم باعتباره مادة واحدة. وتظهر العالمية المنغلقة لهذا النظام في المواجهة التي تمت مع محمد علي، أول من حاول تحديه حين حاول أن يدخل مصر والعالم العربي إلى العصر الحديث حسب شروطه، مع الاحتفاظ بمنظومة معرفية وقيمية مستقلة. بل حاول أن يبعث العافية في أوصال رجل أوروبا المريض أو الرجل العثماني المسلم الذي كانت أوروبا تراقب مرضه باهتمام شديد حتى يمكنها تقطيع أوصاله واقتسامه ضمن ما اقتسمت في العالم. وبالفعل، ضرب محمد علي وبشراسة من قبل أعدائه وأصدقائه الغربيين وتم تقطيع أوصال الدولة العثمانية وهي عملية لا تزال مستمرة في البوسنة والهرسك وكوسوفو، وتم اقتسام العالم مع الحرب العالمية الأولى، وتحقق النظام المغلق وأصبح واقعا عالميا في عصرنا الحديث. الاستعمار ومنذ أن قام هذا النظام العالمي باقتسام العالم، بدأ يصول ويجول، وبدلا من أن ينشر الاستنارة والعدل، انغمس في عمليات إبادة منهجية رشيدة لم يعرفها تاريخ البشر من قبل إبادة سكان الأمريكتين وفي عمليات ترانسفير نقل السود من أفريقيا إلى الأمريكتين، ونقل العناصر البشرية غير المرغوب فيها مثل المجرمين واليهود والفائض البشري والثوريين والفاسدين اجتماعيا إلى جيوب استيطانية. وقد خاض هذا النظام العالمي في الصين، حرب الأفيون الأولى ثم حرب الأفيون الثانية حتى يحقق أرباحا اقتصادية ضخمة. وقام بنهب ثروات الشعوب بشكل منظم لم يعرف له التاريخ مثيلا. ومع ظهور حركات التحرر الوطني في المستعمرات، ابتداء من الأربعينيات، قام النظام الإمبريالي العالمي بضربها بعنف شديد، ثم حاول في الخمسينيات الالتفاف حولها بأن منح المستعمرات استقلالا اسميا وأسس نظما سياسية عميلة مستعدة لأن تعطيه امتيازات يفوق عائدها ما كان يحصل عليه من الاستعمار العسكري المباشر. إن تاريخ النظام العالمي هو تاريخ النظام الصناعي العسكري الإمبريالي الغربي الذي حول العالم إلى مصدر للطاقة الطبيعية والبشرية الرخيصة وإلى سوق لبضائعه، ورغم تغير الأشكال الاستعمار الاستيطاني الإحلالي- الاستعمار الاستيطاني المبني على التفرقة اللونية- الكولونيالية- الإمبريالية- الاستعمار الجديد فإنه نظام عالمي واحد يحاول أن يفرض بالقوة حالة التفاوت بين الشعوب والأمم. قام هذا النظام الإمبريالي العالمي بغرس كل أنواع الاستعمار في عالمنا العربي الاستعمار العسكري في مصروالسودان وليبيا والمغرب وتونس والصومال والعراق وجيبوتي وسوريا ولبنان وإرتيريا- الاستعمار الاستيطاني في الجزائر- الاستعمار الاستيطاني الإحلالي في فلسطين، وقام بنهب هذه المنطقة إما مباشرة إبان فترة الاستعمار العسكري المباشر وإما من خلال التحكم في أسعار المواد الخام وخصوصا البترول. وتتضح هوية هذا النظام العالمي الإمبريالي المغلق في ظهور الفلسفات العنصرية والداروينية والنيتشوية التي تقسم العالم وبحدة إلى الأنا والآخر، وتجعل الذات القومية هي المعيار الوحيد للحكم، وتجعل الغرب هو المركز، تجعل الإنسان الأبيض هو صاحب المشروع الحضاري الوحيد الجديربالاحترام والبقاء، ومن هنا عبء الرجل الأبيض الشهير، فهو وحده القادر على اختيار الطريق الصحيح، أما الآخر فهو عاجز ضال. وفي هذا الإطار ظهرت الفاشية والنازية ثم الصهيونية- وهي دعوة لحل مشكلات أوروبا المسألة اليهودية عن طريق تصديرها للشرق. فحينما كان هرتزل يتحدث عن إنشاء دولة يهودية يضمنها القانون الدولي العام فإنه كان يعني القانون الغربي الاستعماري الذي يتحكم في العالم يقسمه حسب رؤيته ومشيـئته. ثم صدر وعد بلفور في هذا الإطار، إذ أعطت بريطانيا الحق لنفسها في أن تمنح أرض فلسطين للفائض البشري اليهودي في الغرب وأن تنقل من فلسطين سكانها الأصليين (تمت الإشارة إليهم باعتبارهم العناصر غير اليهودية أي غير الغربية، ومن ثم فهم يقعون خارج نطاق الحقوق والمسؤوليات). ثم قام النظام العالمي من خلال عصبة الأمم بوضع فلسطين تحت الانتداب لضمان تنفيذ هذا المشروع الاستيطاني الإحلالي، ثم قام النظام العالمي مرة أخرى من خلال هيئة الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين ومنح الوجود الصهيوني شرعية مستمدة من شرعيته الدولية هذه. ثم استمر النظام العالمي، متمثلا في شقيه الرأسمالي والاشتراكي، بالاعتراف بالدولة الصهيونية ودعمها إما بشريا عن طريق نقل المادة البشرية من شرق أوروبا وإما ماليا وعسكريا عن طريق الدعم المالي والعسكري من غرب أوروبا والولايات المتحدة وهو دعم ظل يتزايد في حجمه ونوعه يوما بعد يوم حتى وصل إلى التحالف الاستراتيجي المعلن بين إسرائيل والولايات المتحدة،مؤكدا بذلك أن الغرب صاحب النظام العالمي وهو المهيمن على العالم، وأن العالم هو المسرح، وأن الجنس البشري هو المادة التي وظفها لصالحه. هذه رؤية ثنائية حادة تنكر تاريخ الآخر وإنسانيته ولا تقبله إلا كمادة استعمالية. وقد تكررت ممارسات النظام الإمبريالي الدولي القديم بأشكال تتراوح بين درجات مختلفة من الحدة والتبلور في أنحاء آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. الأسباب الكامنة ولكن النظام الإمبريالي، شأنه شأن أي نظام مادي، ينتقل من الصلابة إلى السيولة. وفي هذا الإطار لا يمكن أن تظهر أنا مقدسة أو غير مقدسة، فكل شيء نسبي لا يعرف الثنائية أو التجاوز. وقد تبدت المرحلة السائلة في تحولات النظام العالمي القديم إذ حدثت تطورات تاريخية عميقة لا تشكل لحظة إفاقة أخلاقية تاريخية وكيف يمكن أن نتوقع هذا من حضارة مؤسسة على أساس القانون الطبيعي والفلسفة النيتشوية والداروينية؟ وإنما لحظة إدراك ذكية من جانب الغرب لموازين القوى، ونحن نلخص أسباب ظهور النظام العالمي الجديد فيما يلي: ١- أدرك الغرب عمق أزمته العسكرية والثقافية والاقتصادية، وأحس بالتفكك الداخلي وبعجزه عن فرض سياساته بالقوة. ٢- أدرك الغرب استحالة المواجهة العسكرية والثقافية والاقتصادية مع دول العالم الثالث التي أصبحت جماهيرها أكثر صحوا ونخبها أكثر حركية وصقلا وفهما لقواعد اللعبة الدولية. ٣- أدرك الغرب أنه على الرغم من هذه الصحوة، فإن ثمة عوامل تفكك بدأت تظهر في دول العالم الثالث، حيث ظهرت نخب محلية مستوعبة تماما في المنظومة القيمية والمعرفية والاستهلاكية الغربية يمكنه أن يتعاون معها ويجندها، وهي نخب يمكن أن تحقق له من خلال السلام والاستسلام ما فشل في تحقيقه من خلال الغزو العسكري. لكل هذا قرر الغرب أن يلجأ للالتفاف بدلا من المواجهة، وبذا يستطيع حل إشكالية عجزه عن المواجهة ويتخلى عن مركزيته الواضحة وهيمنته المعلنة ليحل محلها هيمنة بنيوية تغطيها ديباجات العدل والسلام والديمقراطية التي ينقلها البعض ببغائية مذهلة.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع