القائمة الرئيسية

الصفحات

الأهداف الاستراتيجية لما يحدث في مصر الآن؟؟؟



عمل المخطط الصهيو امريكي بعد الثورة وسقوط النظام على وضع مصر تحت ضغط مستمر اقتصادي واجتماعي وسياسي ، وتكريس حالة من العداء بين الجماهير وخاصة الشباب منهم وبين المؤسسة العسكرية باعتبار أن هذه الأخيرة هي مؤسسة ديكتاتورية تسعي لفرض هيمنتها، خاصة بعد تفكيك مؤسسة الشرطة ، ومن هنا تم الترويج لمصطلحات يتم ترديدها في الإعلام حتي صارت من المسلمات مثل "حكم العسكر" ، والفصل بين الجيش والمجلس الأعلى للقوات المسلحة ، بل أنها ذهبت إلي حد التحريض ضد القيادات العسكرية المصرية بشكل واضح ، وتم في بعض الوقائع استهداف جنود وضباط القوات المسلحة علي اعتبار أنهم جزء من نظام مبارك القمعي .
واثبتنا بآلاف الادلة ان مصر بخاصة والوطن العربي يخضع لمخطط تم تجهيزه منذ عقود..والدفع لتنفيذه منذ عام 1982 تحديدا..ولم يسأل احد لم تم التدريب بكافة الوسائل على اساليب اسقاط الانظمة وتدمير دعائمها واحدة تلو الاخرى دون اي تدريب على اعادة البناء؟؟

وهنا يجب الرجوع إلي وثائق "ويكليكس" والتي تم نشر جزء منها قبل الثورة وتتحدث عن العلاقة بين الجيش المصري والولايات المتحدة الأمريكية ، وهذه الوثائق عبارة عن برقيات أرسلتها السفارة الأمريكية في القاهرة إلي دوائر صنع القرار في واشنطن ، تتحدث الوثائق عن رفض الجيش المصري وقياداته وعلي رأسهم المشير طنطاوي لطلبات أمريكية متكررة منذ عام 2008 لتغيير العقيدة القتالية للجيش المصري "التي تعتبر إسرائيل العدو الأول لمصر" وتغيير طبيعة ومهام الوحدات القتالية للجيش المصري ، بحيث يتحول من جيش كبير مؤهل للقتال في الصحراء ضد جيوش نظامية ، إلي ما سماه الأمريكيون "وحدات نخبة" وكتائب صغيرة ، تكون مهامها الأساسية محاربة "الإرهاب" والقرصنة وضبط الحدود ، والمقصود طبعا هو الحدود مع غزة وإسرائيل ، وتتحدث الوثائق الأمريكية أيضا عن رفض الجيش المصري لوجود مراقبين أمريكيين علي الحدود بين مصر وغزة ، حتي أن أحد قيادات الجيش المصري –اللواء محمد العصار- هدد بوقف التعاون العسكري مع الولايات المتحدة ووقف شراء الأسلحة الأمريكية إذا تم فتح هذه الملفات مرة أخري ، ما الذي يعينه ذلك ، إنه يعني وبكل بساطة أن الولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل كانت تسعي لتفتيت الجيش المصري ، وأن وجود قيادات الجيش الرافضة لهذا المخطط علي رأس المؤسسة العسكرية هو الذي أجهض هذا التوجه ، إذن فليس غريبا أن تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل مرة أخري تفتيت المؤسسة العسكرية ، ولكن هذه المرة عبر مواجهات بينها وبين أبناء الشعب وخاصة قوي الثورة المصرية التي تسعي للبحث عن مستقبل أفضل للبلاد ما بعد مبارك وحشد الأسلحة الإعلامية والاقتصادية والسياسية لخلق هذه المواجهات واختراعها وتأجيجها.


وفي ظل هذه المعطيات نفهم بشكل واضح الضغوط الاقتصادية الأمريكية علي مصر لدرجة محاولة دفعها إلي حافة الإفلاس لتصبح السلطة السياسية في مصر طيعة وأكثر استجابة للضغوط وتنفيذ الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة ، فقد وضعت الولايات المتحدة لأول مرة شروطا سياسية لمنح مصر معونات اقتصادية تقدر بـ 150 مليون دولار ، وقالت الولايات المتحدة أن هذه المعونات مشفوعة بشروط سياسية تدعم "التحول الديمقراطي" في مصر ، والحقيقة أن الولايات المتحدة لم تقدم يوما لأي دولة في العالم معونات غير مشروطة ، غير أن التوقيت الحساس التي تفرض فيه هذه الشروط يجعل الأمر كله محل ريبة وتساؤل ، فهي تأتي في وقت تميل فيها السياسة المصرية داخليا إلي تعزيز الديمقراطية كخيار وطني ، وخارجيا إلي التمسك باستقلاليتها عن التبعية الخارجية .

الأمر الثاني إن ن السياسة الإسرائيلية تبذل جهودا كبيرة منذ اتفاقية السلام مع مصر فى تقليص دور مصر ” الإقليمي بصفة خاصة ” ووضعها فى حالة من عدم التوافق مع شقيقاتها العربية، ومنعها من أن يكون لها دور ريادي في المنطقة العربية أو أفريقيا، وخاصة مع اتمام بقية ما تم تخطيطه للمنطقة العربية وافريقيا باثارة النزاعات واحدة تلو الاخرى والدفع بالتقسيم.

لقد حاولت الأصابع الأمريكية والإسرائيلية البحث عن نقاط ضعف في المجتمع المصري ، فدخلت أولا من مدخل الضغوط الاقتصادية والتي يجب في إطارها أن نتساءل عن مصير الدعم العربي لمصر بعد الثورة ، وأين هي المليارات التي وعدت بتقديمها دول عربية لدعم الاقتصاد المصري ؟!! ، وعندما فشلت السياسة الأمريكية في تركيع الثورة عن طريق الضغوط الاقتصادية ، لجأت إلي ملف آخر وهو ضرب الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط ، واشتعلت فجأة الحرائق الطائفية في مصر من صول إلي إمبابة إلي أسوان إلي ماسبيرو ، وما تكاد الدولة تنجح في إطفاء حريق حتي يشتعل آخر ، وعندما نجحت حكمة المصريين التاريخية في لملمة جراحهم في هذا الملف ، لجأت السياسات الأمريكية والإسرائيلية إلي الضغط علي الثورة والدولة المصرية ، بخلق مواجهات بين قطاعات من المواطنين والجيش ، ولم يكن جادث ماسبيرو الشهير ببعيد عن هذا المخطط ، ولعل التقارير التي تحدثت عن وجود قناصة استهدفوا قوات الجيش والأقباط معا في ماسبيرو وأشعلت الحريق ليس ببعيد عن هذه المحاولات .

ونأتي للملف الأكثر حساسية علي الساحة المصرية وهو ملف التمويل الأجنبي لبعض الحركات السياسية والشبابية ، ونؤكد أن هذا الملف لا يطرح من قبيل اتهام أحد أو التشكيك في وطنية أحد ، ولكنه كان جزءا من السياسات الأمريكية والإسرائيلية لاختراق المجتمع المصري وخاصة الحركات السياسية منها ، فقد رصدت كل من أمريكا وإسرائيل وبعض الدول الأوروبية ، منذ منتصف الثمانينات ، ميلاد حركات شبابية وطنية في الدول العربية ومصر بصفة خاصة ، وخشيت أمريكا من اليقظة القومية العربية ، التى من الممكن ان تؤدى إلى تنامي روح القومية العربية من جديد ، وتعيد للعالم العربى مناخ أشبه بالعهد الناصري ، وان تفرز المنطقة زعيما عربيا جديداً بأيدلوجية قومية عربية تهدد الوجود الاسرائيلي ، لذلك فقد سارعت أمريكا وربيبتها إسرائيل إلى اختراق الحركات الشبابية ، سعيا منها لمتابعتها عن قرب ، والتواجد بداخلها للتأثير على أنشطتها ومساراتها ودفعها في اتجاهات تخدم مصالحها ، واستغلال احتياج تلك الحركات الشبابية الوطنية للمال ، فوفرت لبعضها التمويلات اللازمة لأنشطتها ، ليس حُبا في محاربة فساد النظام المصري ، ولكن لضمان مجيئ نظام جديد حليف لأمريكا يحقق لها مصالحها .

إن الرجوع إلي ملف التمويل الأجنبي في مصر ، يطرح العديد من الأسئلة التي تبحث عن إجابات ، أولها عن خلق طبقة سياسية موالية للسياسات الأمريكية تحت مظلة الدفاع عن حقوق الإنسان ودعم التوجهات الليبرالية ، وثانيها عن مدي تأثير انتشار هذه المنظمات في تفريغ الأحزاب السياسية من كوادرها الطبيعية خاصة من الشباب المسيس الذي اتجه للعمل في هذه المنظمات بحثا عن لقمة عيش كريمة ، وثالثها عن التأثير الذي أحدثه هذا التمويل لحصر الأزمات التي يعاني منها المجتمع المصري في الجانب الحقوقي والسياسي فقط ، والانصراف عن البعدين الاجتماعي والاقتصادي اللذين يمثلان عصب الأزمة ، واللذين نتجا عن تبني نظام مبارك للتوجهات الاقتصادية الأمريكية ، فيما وصفه مفكر اقتصادي مصري كبير بحجم الراحل الدكتور رمزي زكي بسياسات " الليبرالية المتوحشة"

إذن ما هو المراد بمصر الآن وما هو الحل لانتشال الوطن من أزمة تهدد وجود الدولة المصرية ذاتها ، التي هي أقدم دولة موحدة عبر التاريخ ، المطلوب الآن هو إما تركيع مصر باضعافها وإدخالها للحظيرة الأمريكية وتوافقها مع سياسات إسرائيل في والولايات المتحدة في المنطقة ، أو هدم الدولة المصرية من الأساس ، عبر نشر الفوضى الشاملة في المجتمع ، وتحويل مصر إلي لبنان جديد أو عراق آخر ، ما يسهل معه السيطرة علي الأوضاع في مصر ، وإعادة احتلال سيناء تحت دعوي انعدام الأمن فيها ، وهو ما تردده الآن بالفعل الدوائر السياسية والعسكرية في إسرائيل ن بل أن قرار اتخذ الأسبوع الماضي في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية برفع مستوي القوات الإسرائيلية علي الحدود مع مصر من حيث حالة التأهب والعدد أيضا وهو ما كشفته صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية .

إذن ما هو الحل ، إنه في رأيئ يكمن في أمرين ، الأول هو الوحدة الوطنية المصرية ويقظة الحركات السياسية في مصر لما يراد دفعهم إليه من مواقف وتوجهات تبدو في صالح الوطن وهي في الحقيقة ابعد ما تكون عن ذلك ، وعدم الانجرار إلي مواجهات مفتعلة سواء مع جهاز الأمن أو الجيش المصري وقيادته ، فعندما يصبح الجيش المصري وقيادتاه والشعب بكل فئاته صفا واحدا لن تقوي أي دولة في العالم علي مواجهة مصر ، وثانيا الاصرار على الاستمرار نحو سيادة مستقرة لمصر نستطيع من خلالها اعادة البناء وبانتماء وجهد، وأن ندرك ان مصر بحجمها الاستراتيجي وتأثيرها علي دول المنطقة ككل قادرة علي قلب الطاولة وإفشال أي مخطط يستهدف الدولة المصرية ، فالشعب المصري هو الذي استطاع الصمود في الخمسينيات أمام ثلاث قوي هي بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ، وهو الذي قاوم علي خط النار لست سنوات الاحتلال الإسرائيلي لسيناء ، وهو الذي قاوم في السويس إبان حرب أكتوبر المجيدة الحصار الذي فرضته القوات الإسرائيلية مدعوم بالسلاح الأمريكي علي المدينة الباسلة ، إضافة إلي العمل علي جذب الكتل المتفارقة من الشعب المصري إلي صف واحد عبر إعادة صياغة التوازنات الاقتصادية في المجتمع والانحياز للطبقات الفقيرة والمتوسطة ، التي تمثل أكثر من 90% من الشعب المصري .


إن الإشارة إلي ما يحاك ضد مصر من مؤامرات ليس بالقطع تشكيكا في نبل المقاصد التي خرج من أجلها الشباب المصري الباحث عن الحرية والكرامة والعدالة ، ولكن علينا أن نعي إن الديمقراطية ليست هدما للدولة ، أو وضع المؤسسة العسكرية وقيادتها موضع العدو الذي يجب محاربته ، بينما العدو الحقيقي متربص ينتظر فرصة للانقضاض علي الوطن ، ويعمل ليل نهار علي تخريب الثورة والدولة.

إن أزمة مصر الحالية تحتم علي كل الشرفاء في الوطن أن يصطفوا جميعا ليس فقط إلي جانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، ولكن إلي جانب الوطن كله ، فهما كانت الملاحظات علي أداء المجلس في الجانب السياسي ، ومهما كانت الأخطاء التي ارتكبها ، لا يمكن أن تدفعنا إلي مناصبة العداء معه أو محاولة إزاحة المؤسسة التي ليس لها مأرب في سلطة ، ولا تسعي إلي اقتسام كعكة الثورة ، إننا جميعا مطالبون باستخدام قوة الدفع في الخروج برؤية وطنية شاملة للخروج من مأزق خطير وهاوية ننجر إليها جميعا ، وأن نفيق من الغفلة قبل أن نندم وقت لن ينفع الندم ...ما زال الامر بأيدينا
هل اعجبك الموضوع :
التنقل السريع