ربما السؤال الذي يتبادر الى اذهان الجميع دائماً...إذا كانت دولنا العربية تصنف ضمن "الشعوب الفتية"...واذا كانت دولنا العربية تمتلك من الموارد الطبيعية ما يجعلها تتصدر العالم أجمع وتقوده...بل ان مواردنا في الحقيقة لم يتم الكشف بعد عن حجمها الحقيقي...فما الذي يجعلنا نصنف من دول العالم الثالث؟؟؟؟...وما الذي يجعلنا في هذا الفشل الذي لا يتناسب ابدا مع حضاراتنا العريقة المتتالية عبر التاريخ والتي علمت العالم أجمع فيما سبق ..بينما كانت تلك لدول العظمى غارقة في غياهب الجهل والتخلف؟؟؟؟؟...بل ان امريكا لم تكن في حيز الوجود من الاساس وبنيت على أنقاض تدمير الشعب الأصلي؟؟؟؟
وأريد أن أتحدث اليوم عن التعليم كأهم وسيلة للسيطرة على الشعوب...بل أنها تعد كأنجح وسيلة بعيدة المدى...فإذا أردت ن تتحكم بالعقول والأمم..فعليك بتلقي الطفل منذ نعومة أظفاره.. والعمل بصورة خفية عن عزله عن حقيقة تاريخه..وقوة حضارته..وثقافته وأهداف دينه.. وعن العلم النافع الذي يبني الأوطان ويجعلها تستثمر أغلى ثروة في الوجود..ألا وهي الثروة البشرية!!!!
ولكي لا أطيل في البداية...لقد كان طرح "التعليم الحكومي المجاني" هو نوع من "الفخ" الذي تم توريده للأمم بعد ثوراتها في التاريخ الحديث...حيث يتم تلقين الجميع تلك المعلومات الافتراضية التي تجعل من العلم والثقافة والدين "معلبات" محدودة تخدم التبعية المستقبلية للغرب... تاريخ "معلب" بحسب ما يراد تلقينك فلا تبحث عن الحقيقة لأنك بالأساس لم تستقي منهج البحث والاستدلال السليم... علوم "معلبة" تغيرت فرضياتها وتطبيقاتها في العالم أجمع..وحتى الدين.. ذلك الدين الشكلي الذي يجعلك مفصول عن البناء الاخلاقي والعقلي والعملي الذي يبني لبنة سليمة من شأنها بناء مجتمع مكتمل...
يصاحب ذلك سياسات إفقار وإلهاء وأنهاك للأطفال والأسر...فلا يهم هل ضاعت تلك السنوات في علم نافع..بقدر ما هو مهم الحصول على الشهادة...حتى ولو بالتلقين والحفظ وكل الوسائل...بينما ينهار الفهم والمهارات والقدرة على الإبداع والإبتكار...النتيجة..حامل شهادة غير مؤهل فعليا لأي شيء بحسب المقاييس العالمية!!!!
ثم تأتي المرحلة التي يسحب بها البساط من مفهوم "التعليم المجاني" لخصخصة التعليم بعدما تم تحويله لمهزلة فعلية.. والمدارس والجامعات الغربية التي اقيمت كمؤسسات لتجنيد العقول بحسب الثقافات الغربية ومع الربح الوفير جدااااا... إضافة لأهم هدف.. وهو تمزيق المجتمع.. والطبقية... واللامساواه...والمادية التي سطت على العلم... وفي النهاية...لا هذا ولا ذاك قدم أي رؤية لمشروع حضاري فعلي لوطنه!!!!
فإبقاء الشعب بكافة طبقاته في جهل وحماقة من أهم الإستراتيجيات الموضوعة للسيطرة على الشعوب.. والتي يتم من خلالها العمل بطريقة تجعل الشعب غير قادر علي استيعاب التكنولوجيات والطرق المستعملة للتحكم به واستعباده... ومن خلال ذلك يجب أن يكون نوعية التعليم المقدم للطبقات السفلي هي نوعية "الأفقر" ..بطريقة تبقي إثرها الهوة المعرفية التي تعزل الطبقات السفلي عن العليا..والعليا عن الغرب... ووسط هذا قتل التعليم الفني الصناعي الإنتاجي.. الذي من شأنه بناء مجتمع "منتج" قادر على قيام إقتصاد وطني قوي ومتماسك وغير قبل للتبعية والاستغلال...
فتلك الطبقة العاملة المؤهلة والمدربة من خلال التعليم الفني المتخصص هي الطبقة الغالبة الفاعلة في الدول الصناعية الكبرى... وكان لدينا في وقت من الاوقات أكثر الفنيين تخصصا وفئة كبيرة من الحرفيين المهرة... تم قتل هذه الطبقة تدريجيا.. وشغل المجتمع بالشهادات العليا والنظرة "الدونية" للعامل المتخصص والحرفي الماهر..بعكس الغرب تماما.. وبالرغم من ان دولنا لا تحتاج لهذه الالاف المؤلفة من خريجي الجامعات والتعليم الاكاديمي...
صاحب ذلك بالطبع سياسات ضغط وافتقار لأية خطط واقعية واستغلال أمثل لمواردنا التي تورد كخامات للدول الغربية.. ثم نعيد استيرادها بأضعاف الأثمان كسلع مصنعة...باعتبارنا "حظيرة" إجبارية للمنتجات الغربية والعلوم الغربية والثقافات الغربية..
ولأضرب مثال على ذلك... فنسبة البطالة على سبيل المثال تجاوزت في مصر ال 12% من الطبقة القادرة على العمل منهم 83% من حملة المؤهلات العليا... بينما في هذه النسبة من البطالة 5% فقط "شبه" مؤهلين للعمل!!!!!...ناهينا عن البطالة "المقنعة" في المصالح والهيئات الحكومية...
انه باختصار الجهل المتدرج ونوع من الاستعباد وقتل المهارات الاساسية للافراد في مجتمعاتهم..مما ينتج مجتمعات خاملة مستهلكة تدور في حلقة مفرغة.. ومواطنين مصابين بالهشاشة الفكرية والبدنية..يصاحبها تشجيع الشعب علي استحسان الرداءة وتقبل الجهل والغباء وتفوق الغرب بلا منازع لتلك الهوة "المصطنعة" بين عالمنا والعالم المتقدم... ووسط هذا وذاك يتم استقطاب "النابغين" من علمائنا للغرب وامكانياته وإلا يكون البديل القتل المعنوي والشلل في أوطانهم!!!!
ولنراجع ما قاله "بريجنسكي" السياسي المخضرم مستشار الرئيس الامريكي السابق "جيمي كارتر" وصاحب مذكرة تفعيل مخطط برنارد لويس للشرق الاوسط الكبير.. في كتابه: "رقعة الشطرنج":
"لم تُقدَّر السيطرة الثقافية حقّ قدرها كعامل من عوامل النفوذ العالمي الأميركي، فإن الثقافة الجماهيرية الأميركية تمارس جذباً مغناطيسياً خصوصاً على شباب العالم... تحتل الأفلام والبرامج التلفزيونية الأميركية ثلاثة أرباع السوق العالمية... الإنجليزية هي لغة الإنترنت، والنسبة الغالبة من الدردشة العالمية على الكمبيوتر تصدر عن أميركا، الأمر الذي جعل الأميركيين يؤثرون على مضمون كامل التخاطب العالمي... وأخيراً، فإن أميركا قد أصبحت كعبة الباحثين عن التعليم المتقدم، حيث يقصد أميركا حوالي نصف مليون طالب أجنبي يختار كثيرون من أفضلهم عدم العودة إلى بلادهم، كما يمكن العثور على خرّيجي الجامعات الأميركية ضمن التشكيلات الوزارية في جميع دول العالم تقريباً"!!!!
وبالطبع فملخص ما يتم هو حذف العرب من التاريخ والإبداع الحضاري...ومن العلم النافع والمهارات الناجزة.. ففي أفغانستان برز مطلب تحديثها ثقافياً بإشراف أميركي.. وفي فلسطين انطلقت اتجاهات تزوير التراث الفلسطيني العمراني والديني والفني الموسيقي والأسطوري واللغوي بتشجيع أميركي... وفي العراق كان اتجاه تدمير الذاكرة التاريخية التراثية صاخباً إلى درجة الجريمة... وفي لبنان وضعت السفارة الأميركية ملايين الدولارات رهن تصرف الأساتذة الجامعيين والإعلاميين اللبنانيين..إضافة إلى أن موظفين في السفارة المذكورة حاولوا توزيع كتب جامعية لاقسام الأدب الإنجليزي ..بل عمل المشروع الثقافي الأميركي في الشرق الأوسط بكيفية يمكن أن تقود إلى التدخل في نصوص دينية خاصة بالقرآن!!!
ففي تقرير أعدته مجموعة من الخبراء السياسيين الأمريكيين البارزين والذين يعرفون بأنهم "مجموعة الـ19" وتم رفع هذا التقرير إلى جهاز الأمن القومي الأمريكي وعنوان هذه الدراسة " الجوانب النفسية للإرهاب الإسلامي " ..قدم معدو الدراسة مجموعة من التوصيات التي تم رفعها للمؤسسة الرئاسية... ومن ضمن مشتملاتها..
أنه في كل 15 عاماً تظهر أجيال عنيفة فيما يشبه الدورة في الدول العربية والسبب ..على حد زعمهم.. هو الكتاب المقدس للمسلمين وهو القرآن وهناك صعوبات عملية في مطالبة الحكومات بتغيير القرآن!! ولكن هناك المرجعيات الدينية التي يمكن أن تقدم تفسيراً مختلفاً يساعد على تنفيذ المطالب الأمريكية!!! وتري الدراسة أن مصر والسعودية لهما التأثير الأكبر، في حين أن أدوار الدول العربية الأخري هامشية وفرعية.. فالسعودية لها ثقلها الديني ومصر لها دورها كبلد للأزهر وهي أكبر دولة عربية وتموج داخلها صراعات هائلة للأفكار الدينية ...وتقترح الدراسة العمل على تفريغ القرآن الكريم من مضمونه عن طريق إلزام المراجع الدينية بالتركيز على الفروع المتعلقة بالعبادات بحيث يظل الدين علاقة عبادات بين المرء وربه دون أن يتجاوز ذلك إلى أي فعل يتصل بنهضة الأمة أو هويتها أو الدفاع عنها!!!!!
فالمسألة التعليمية اهم الادوار التي اعتنت مؤسسات الهيمنة على شعوب العالم بالتخطيط الدقيق لها لأنها من اهم الادوات المساعدة على تطبيق مخططاتهم وربما هي من اولى الاولويات حيث عملوا على فصلها عن القيم الاخلاقية النابعة من الدين ...الامر الذي جعلهم يعملون على تجفيف منابعة وتحريفه عن مساره الصحيح وإخراجه من محتواه الحضاري وتشويه صورته وإبعاده عن دوره في بناء المجتمع.. وبدلا من ذلك يسود التطرف من جانب ومن جانب آخر الانحراف الاخلاقي والرشوة والمحسوبية وانعدام المسئوليه والتفكك الاسري والزواج المثلي وزنا المحارم والسرقة والاغتصاب والقتل ونقل كل تلك السموم في البلدان الاسلامية التي يهيمن الغرب على توجهاتها الاستراتيجية ...مما افقد هذه البلدان المرجعية "الوطنية" في صياغة برامجها التعليمية التى اصبحت تملى عليها من الخارج.. وبحدود وتعليب الخارج.. عبر الاختراق الذاتى لكوادر التخطيط الوطنية المرتبطين باليات البرمجة الغربية... والتى على رأسها البنك الدولي!!!!
فالبنك الدولي يعى تمام الوعى ان المنظومة التعليمية هى من اهم الركائز التى تمكنه من استمرارية الهيمنة على الشعوب المقهورة وادارة اقتصادها طبقا لمخططاته المشبوهة إضافة الى إنعدام التخطيط الاستراتيجي لمسأله التعليم... الذي نتج عنه ارتباط البرامج التعليمية بتخطيط الوزراء المتأثرة بخلفياتهم السياسية والاديولوجية ...والتى غالبا ما يكون لآليات التخطيط الغربي يد طائلة فيها.. وهو ما أدي الى فشل السياسة التعليمية والتى بدورها فقدت مرجعيتها الاخلاقية.. وارتباطها بالتنمية وبيئتها الوطنية ومستواها العام...
-يحدث هذا ايضا بينما يتم استقطاب العقول الذكية العربية لتعمل ضمن المنظومة الغربية والتي تحوى الآلاف من علمائنا المتخصصين وفي أدق المناحي العلمية الهامة التي تمنع بلادنا من الاستفادة منها...
-يحدث هذا ايضا بينما تقرر التربية العسكرية والوطنية في دولة مثل اسرائيل والتي تعتبر كل منتمي لها في الداخل او الخارج مجند لخدمة اسرائيل والمشروع الصهيوني...
-يحدث هذا بينما يتم توريد غالبية مواردنا الطبيعية في صورة خامات.. بل يتم منعنا من الكشف عن اهم تلك الموارد التي يعلم الغرب ويوثق حقيقة وجودها في اوطاننا ويبقيها كسلة احتياجاته المستقبلية بعد النجاح في اجتياحنا!!!!
فعلينا ان نعي حقيقة ان "التعليم" والتحرر العلمي من القيود الغربية من اهم مقومات "الامن القومى" ...والاستمرار في عدم الاعتناء به يترتب عليه تداعيات خطيرة قد تعصف بكل مكتسبات الدولة من انجازات تنموية لفائدة الشعوب ...فالتعليم يعد جسر تمر عليه كل مشاريع التنمية لتطوير المجتمع.. وحجر اساس يرتكز عليه بناء المؤسسات فى جميع ميادين الحياة ...وحصن تشيده ثقافة المقاومة للمحافظة على المكاسب وحمايتها... فاذا اختل التوازن فى المسألة التعليمية انتقل الخلل الى جميع مكونات المجتمع ... واوقع الوطن فى ايدي الاعداء ليكرسوا عليه برامجهم التدميرية لشل حركة الشعوب واضعافها والسيطرة عليها طبقا لبرامج التخطيط التى سطروها ..وها هى الان اغلب الدول الاسلامية قد فقدت سيطرتها على مقومات امنها القومى وسقطت فى الفخ المنصوب لها فامتزجت خياراتها بالخيارات المفروضة من اعدائها الاصدقاء وهى تظن واهمة ان خياراتها صلاح واصلاح وحداثة وتطوير وتعاون... الامر الذي ينبئ عن النجاح المبهر الذي تم تحقيقه فى مسألة الاختراق الذاتى بالعلم وبالمعلومة للشعوب ..حيث شرب الجميع من النهر المعلوماتى الملح الاجاج وتأقلموا مع ملوحته حتى توهموا انه الطعم الطبيعي للماء!!!!
والخلاصة.. أنه بات من المهم والحتمي على اهل الاختصاص الذين افلتوا من فخ الاختراق المعلوماتى الذي صُنعت به توجيهات اغلب الكوادر التعليمية المخططة لبرامج التعليم التجهيلي المدمر.. وضع مخططات عاجلة لعملية إصلاح شااااااامل وعااااااجل لمنظومة التعليم ومتتطلبات اوطاننا الحقيقية... تكون صالحة للتطبيق العملي ومرتكزة على القيم الحضارية ومعالجة لمشاكل التنمية الانسانية والفساد المجتمعى والبيئي...
فالتعليم والتأهيل للموارد البشرية مسألة أمن قومي.. وحاجة ماسة على درجة الأهمية القصوى خاصة في تلك الازمات المريرة التي تحيط بنا في الوقت الحالي...ولا مجال للتفكير في اي نوع من الاصلاح وحل للازمات دون اصلاح التعليم أولاً!!!!!
تعليقات
إرسال تعليق