
كانت الأقمار الصناعية التجسسية تنتهك حق الناس في الخصوصية حتى في الفترة التي سبقت تقديم الرئيس ريغان لـ "مبادرة الدفاع الإستراتيجي" “Strategic Defense Initiative” أو ما يسمى بحرب النجوم في مطلع الثمانينات من القرن المنصرم بعد أن أظهرت أزمة الصواريخ الكوبية التي حدثت عام 1962م الفائدة العسكرية للأقمار الصناعية. كان الغرض من مشروع حرب النجوم حماية الولايات المتحدة من خطر الصواريخ النووية إلا أنه اتضح عدم جدوى إسقاط الصواريخ بواسطة أشعة ليزر تطلقها الأقمار الصناعية. حينها وجه العديد من العلماء والسياسيين إنتقادات لذلك البرنامج الضخم. ومع ذلك فقد أعطى برنامج حرب النجوم دفعة قوية لتكنولوجيا الرقابة وما يعرف بإسم تكنولوجيا "الحقيبة السوداء" مثل قراءة الأفكار وأشعة الليزر القادرة على مهاجمة الأفراد حتى وإن كانوا داخل المباني. ذكرت مجلة أسبوع الطيران وتكنولوجيا الفضاء (Aviation Week & Space Technology) عام 1984م أن "جوانب المشروع (المقصود "حرب النجوم") التي يتم التعجيل بتنفيذها تتضمن إرساء عقود لدراسة… شبكة أقمار صناعية تجسسية." كان من الوارد أن يتم إساءة إستخدامها ولكن لم تسعى أي مجموعة للحد من هذه التكنولوجيا الجديدة والمرعبة أو حتى إخضاعها للرقابة الديمقراطية. حسب تعليق أحد الديبلوماسيين في الأمم المتحدة: " لم تكن حرب النجوم وسيلة لخلق جنة على الأرض، ولكن يمكن أن ينتج عنها جحيم على الأرض؟؟؟"
قد لا يكون لدى المواطن الأمريكي العادي ما يخشاه حيث واحتمالات أن يخضع للرقابة عبر الأقمار الصناعية ضئيلة. قد لا تتضح من البداية الأسباب التي تحمل شخصاً ما على إخضاع شخص آخر للرقابة عبر الأقمار الصناعية، ولكن للإجابة على هذا السؤال يجب إدراك حقيقة أن الطبقة العليا (أو ما يعرف بــ "النخبة") هي وحدها من لديها القدرة على الحصول على الخدمات التجسسية للأقمار الصناعية. لا يمكن سوى للأثرياء والأقوياء التفكير في وضع شخص ما تحت رقابة الأقمار الصناعية ولكن أفراد الطبقة الوسطى أو العاملة لا يعرفون حتى من أين يبدؤون. وبالرغم من أن الحصول على قدرات المراقبة عبر الأقمار الصناعية يعتمد بشكل رئيسي على رغبات ونزوات الأقوياء، إلا أنه لا ينبغي القول بأن الضعفاء هم وحدهم من يتعرضون لها. قد يكون غالبية الأشخاص الذين يخضعون لرقابة الأقمار الصناعية من الأناس العاديين، غير أن الأثرياء والمشهورين يمثلون أهدافاً أكثر أهمية. فعلى الرغم من نفوذهم إلا أن عدداً منهم قد يقعون ضحية للمراقبة بالأقمار الصناعية. ربما كانت الأميرة ديانا مراقبة بالأقمار الصناعية. ينبغي عدم رفض إدعاء أي شخص بأنه مراقب بالأقمار الصناعية مباشرة و دون تأكد.
من الصعوبة بمكان تقدير عدد الأمريكيين الذين يتم مراقبتهم حالياً بواسطة الأقمار الصناعية، ولكن على افتراض وجود 200 قمر صناعي تجسسي (وهو العدد المتعارف عليه في الأبحاث المنشورة)، فإذا كان بمقدور كل قمر صناعي منها مراقبة 20 هدفاً بشرياً، فهذا يعني أن حوالي 4000 مواطناً أمريكياً يخضعون لمراقبة الأقمار الصناعية. غير أن التكهن بعدد الأهداف التي يمكن للقمر الصناعي مراقبتها في نفس الوقت أكثر صعوبة من تخمين عدد الأقمار الصناعية التجسسية الموجودة حالياً. قد يكون ذلك مرتبطاً بعدد المرسلات-المستقبلات أو ما يسمى الترانسبوندرات (Transponders) التي يحملها كل قمر صناعي حيث وهذه الأجزاء هي التي تستخدم بشكل رئيسي في استقبال وإرسال المعلومات. ولأن مجتمعنا يقع في قبضة "دولة الأمن القومي" لذلك فإنه من الضروري بمكان أن تظل المعلومات حول هذه الجوانب سرية وغير متاحة للجمهور. مع ذلك يتضح لنا بأنه إذا كان بمقدور قمر صناعي واحد مراقبة 40 أو 80 هدفاً بشرياً، فإن عدد الضحايا المحتملين الخاضعين للمراقبة بالأقمار الصناعية سيرتفع ليكون ضعفي أو أربعة أضعاف العدد.
…..بالإطلاع على عينة من الأبحاث المنشورة، يمكننا أخذ لمحة عن تكنولوجيا عصر الفضاء الشيطانية هذه. ذكرت إحدى شركات الأقمار الصناعية أن "أحد المفاهيم الرئيسية لمنظومة أقمار المراقبة التي تحمل إسم العيون البراقة (Brilliant Eyes) تضمّـن مستوى بؤري لمتعقب أشعة تحت الحمراء طويلة الموجة والذي يتطلب تشغيلاً دورياً بمقدار 10 كيلفن." تستغل الأقمار الصناعية التجسسية حقيقة أن الجسم البشري تنبعث منه أشعة تحت حمراء أو مايسمى بالحرارة الإشعاعية. بناءً على ما ذكره ويليام إي باروز، مؤلف كتاب "الأسود العميق: التجسس الفضائي والأمن القومي" (Deep Black: Space Espionage and National Security) فإن "ما يتم تصويره بواسطة الأشعة تحت الحمراء يمر من خلال مرشحات ضوئية ويتم تسجيله على مصفوفة عناصر مزدوجة الشحنة (CCD) لتكوين صورة أشعة تحت حمراء، والتي يتم بعد ذلك تكبيرها ورقمنتها وتشفيرها وترحيلها إلى قمر صناعي (تابع لمنظومة بيانات قمرية)." لكنهناك اختلاف في الرأي حول إمكانية إلتقاط الأشعة تحت الحمراء في الأجواء الغائمة. طبقاً لإحدى الباحثات، هناك حل لهذه المشكلة المحتملة حيث قالت: "خلافاً للمستشعرات التي تلتقط الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء بشكل سلبي، والتي قد تحجبها السحب وقد لا تتوفر بشكل كبير في الليل، فإن المستشعرات الرادارية تقوم بشكل فعال بإصدار نبضات المايكروويف التي يمكنها اختراق السحب والعمل في أي ساعة من النهار أو الليل." ذكرت هذه الباحثة نفسها في عام 1988م بأن "الحد العملي للدقة القابلة للتحقيق لمستشعر مركب على قمر صناعي يخضع لبعض الجدل، ولكنه قد يكون بين 10-30 سنتيميتر تقريباً. بعد تلك النقطة، تصبح العوائق الجوية مشكلة." لكن حتى في وقت كتابتها لتلك العبارة، فإن التصوير بالأقمار الصناعية، إلى الجزء من البيكسل، كان أكثر دقة بكثير مما ذكرته الباحثة، ويصل إلى مستوى المليمترات، وهذه حقيقة يمكن تفهمها عند تأمل التطور المذهل للأقمار الصناعية قياساً بالتطور الملحوظ في الأدوات والأجهزة مثل الماسحات الضوئية متعددة المرشحات الطيفية (Multi-Spectral Scanners)، وأجهزة قياس التداخل (Interferometers)، وأجهزة قياس الإشعاع بالمسح المغزلي للأشعة تحت الحمراء المرئية (Visible Infrared Spin Scan Radiometers)، و أجهزة تبريدالقطع الإلكترونية (Cryocoolers) وطبقات إشتراب الهيدريد (Hydride Sorption Beds).
ربما أكثر الجوانب سوءاً التي تتعلق بالرقابة عبر الأقمار الصناعية، والتي تعتبر بالتأكيد أكثر القدرات التي تدعو للدهشة والإستغراب، هي قدرتها على قراءة أفكار البشر عن بعد. قبل سنوات ليست بالقليلة، تحديداً في عام 1981، ذكر هاري ستاين (في كتابه بعنوان "مواجهة في الفضاء" (Confrontation in Space)) بأن الكمبيوترات قد تمكنت من "قراءة" العقل البشري من خلال ترجمة مخرجات التخطيط الكهربائي للدماغ (EEG). كما أشارت وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة (DARPA)، وهي إحدى وكالات وزارة الدفاع الأمريكية، إلى الأعمال المبكرة في هذا المجال في عام 1978م. حالياً، يعتبر التخطيط الكهربائي للدماغ – والذي يعتمد على التيارات الكهربائية المحفزة في الجلد – مؤشرا غير دقيقاً للنشاط العصبي في الدماغ البشري. منذ ذلك الحين تم تطوير التخطيط المغناطيسي للدماغ (MEG) باستخدام مجسات كهرومغناطيسية حساسة للغاية والتي يمكنها رسم خارطة النشاط العصبي للدماغ مباشرة حتى من خلف العظام والجمجمة. لقد تم رسم خارطة لإستجابات مناطق الرؤية في الدماغ بواسطة كوفمان وآخرون في جامعة فاندربيلت (Vanderbilt University). قد يكون العمل جارٍ في الوقت الحالي لرسم خارطة النشاط العصبي لأجزاء أخرى من الدماغ البشري باستخدام التخطيط المغناطيسي للدماغ. لا يحتاج الأمر لقدر كبير من التخمين للتنبؤ بأنه سيتم الإنتهاء بشكل تام من رسم خارطة النشاط العصبي الكهرومغناطيسي للدماغ البشري خلال عقد أو نحو ذلك وأنه سيكون بالإمكان برمجة كمبيوترات الكريستال لفك شفرة الإشارات العصبية الكهرومغناطيسية.
ذكرت مجلة نيوزويك (Newsweek) في عام 1992م ما يلي: "باستخدام الأجهزة الجديدة والقوية التي يمكنها رؤية ما في داخل الجمجمة ومشاهدة العقل أثناء عمله، يقوم علماء الأعصاب باستكشاف منابع الأفكار والمشاعر، ومنشأ الذكاء واللغة. باختصار، إنهم يتطلعون إلى قراءة أفكارك." في عام 1994م، أشار أحد العلماء قائلاً "أن أساليب التصوير …. الحالية يمكنها إلتقاط الأحداث الفيزيولوجية في الدماغ والتي ترافق الإدراك الحسي والنشاط الحركي وكذلك اكتساب المعرفة والكلام." ولإضفاء القدرة على قراءة الأفكار لقمر صناعي معين، لا يتطلب الأمر سوى تركيب جهاز مماثل لجهاز تخطيط الدماغ كهربائياً (EEG) وربطه بكمبيوتر يتضمن قاعدة بيانات لأبحاث خرائط الدماغ. أعتقد بأن الأقمار الصناعية التجسسية بدأت قراءة الأفكار – أو فلنقل بدأت في التمكين من قراءة عقول الأشخاص المستهدفين – في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي. الحقيقة المؤكدة هو أنّ بعض الأقمار الصناعية تستطيع قراءة أفكار الشخص عن بعد من الفضاء!
جانب آخر من تكنولوجيا الأقمار الصناعية هي التقنية سيئة الذكر التي تسمى "النيوروفون" (Neurophone)، والذي يفوق الوصف من حيث قدرته على التلاعب بالسلوك. في رواية "إنقاذ العالمالجديد" (Brave New World)، تنبأ "هكسلي" باختراع الـ "نيوروفون." في تلك الرواية، يمسك الناس بمقبض معدني للحصول على "شعور بالإثارة الحسية." لقد تم تبني استخدام الـ "نيوروفون" – أو أداة مماثلة للنيوروفون – وتركيبه على الأقمار الصناعية والذي يمكن بواسطته تغيير السلوك بطريقة "البث" الصوتي الخفي (Subliminal Audio Broadcasting)، ولكن باعتماد مبدأ مختلف. بعد تحويل الصوت إلى نبضات كهربائية، يقوم النيوروفون بإرسال موجات لاسلكية إلى الجلد ومن هناك تنتقل إلى الدماغ مباشرة، متجاوزة الأذنين والعصب السمعي، ونتيجة لذلك يستقبل الدماغ الإشارة العصبية كما لو أنها اتصال سمعي، وأحياناً يحدث ذلك على مستوى العقل الباطن. عند تحفيز الشخص بهذا الجهاز فإنه "يسمع" ولكن بطريقة مختلفة تماماً. يمكن للصم أن "يسمعوا" مجدداً بواسطة الـ "نيوروفون." المقلق في الأمر هو أنه عندما تقـدّم مخترع هذا الجهاز بطلب براءة اختراع ثانية لجهاز "نيوروفون" مطور، حاولت وكالة الأمن القومي (NSA) الأمريكية الاستحواذ عليه واحتكاره لكن دون جدوى.
….بالإضافة إلى ذلك، يمكن للقمر الصناعي التجسسي تعقب الكلام البشري. ذكر باروز بأن الأقمار الصناعية يمكنها "حتى التنصت على المحادثات التي تدور في أعماق مبنى الكرملين." لا تمثل الجدران والسقوف والطوابق أي عائق أمام مراقبة المحادثات من الفضاء. حتى وإن كنت في مبنىً عالٍ وكان فوقك عشرة طوابق وتحتك عشرة طوابق فإن القمر الصناعي يمكنه التجسس على صوتك دون عائق. سواءً كنت في داخل مبنى أو خارجه، وفي أي طقس، وفي أي مكان في العالم، وفي أي وقت من اليوم، فإن القمر الصناعي الذي يدور بسرعة دوران الأرض (Geosynchronous) (بحيث يبدو وكأنه واقف فوق نقطة معينة) يمكنه التقاط كلام الهدف البشري. يبدو بأنه لا يوجد مهرب من تنصت الأقمار الصناعية على الكلام إلا بالدخول في أعماق مبنى محصن بدرع سميك من مادة الرصاص.
هناك قدرات أخرى متنوعة للأقمار الصناعية مثل التلاعب بالأدوات والأجهزة الإلكترونية كأجهزة الإنذار، وساعات اليد وساعات الحائط الإلكترونية، وأجهزة التلفاز والراديو، وأجهزة كشف الدخان، وكذلك الأنظمة الكهربائية للسيارات. على سبيل المثال، يمكن إطلاق صوت منبه ساعة اليد بالرغم من صغرها بواسطة قمر صناعي يحلق على ارتفاع مئات الأميال في الفضاء. كما يمكن إتلاف مصباح كهربائي بواسطة شعاع ليزر من قمر صناعي. علاوة على ذلك، يمكن إطفاء وتشغيل إنارات الشوارع بسهولة من قبل شخص يتحكم بقمر صناعي ويحدث هذا بواسطة شعاع كهرومغناطيسي يتم بواسطته عكس قطبية الضوء. كما يمكن جعل المصباح الكهربائي يحترق مع وميض من الضوء الأزرق عند الضغط على زر الإضاءة. وكما هو الحال مع القدرات الأخرى للقمر الصناعي، لا يهم ما إذا كان المصباح أو مصدر الإنارة تحت سقف واحد أو تحت طن من الخرسانة. تظل هناك إمكانية للتلاعب به بواسطة شعاع ليزر من قمر صناعي. تطلق الأقمار الصناعية التجسسية أنواعاً مختلفة من أشعة الليزر منها ما يلي: ليزر الإلكترون الحر(Free-Electron Laser) ، ليزر أشعة إكس(X-Ray Laser)، ليزر شعاع الجزيء المحايد (Neutral-Particle-Beam Laser)،ليزر الأكسجين واليود الكيميائي (Chemical-Oxygen-Iodine Laser)، وليزر الأشعة الحمراء المتوسطة الكيميائي المتقدم( Mid-Infra-Red
………أحد الإستخدامات الأكثر غرابة للأقمار الصناعية إلى جانب القدرة على قراءة الأفكار هو الإعتداء الجسدي على الشخص المستهدف. يستطيع شعاع إلكتروني من قمر صناعي – مستهلكاً طاقة أقل بكثير من تلك المطلوبة لإسقاط صاروخ نووي أثناء طيرانه حسب ما اقترحت مبادرة الدفاع الإستراتيجي – "صفع" شخص أو ضرب شخص على سطح الأرض. يمكن لشعاع من قمر صناعي ملاحقة الهدف البشري بدقة بحيث لا يمكن للضحية الإفلات منه أو تجنبه بأي وسيلة حتى بالهرب على قدميه أو بالسيارة، ويمكن للشعاع إيذاء الشخص بالضغط على رأسه مثلاً. لا يمكن الجزم بدقة حول شدة الأذى الذي يمكن إنزاله من الفضاء ولكن إن لم يكن قد تم تجريب قتل شخص ما بهذه الطريقة، فبلا شك أنها ستصبح أمراً واقعاً في القريب العاجل. لا تـذكـُر أبحاث الأقمار الصناعية حالة قتل مؤكدة تم اقترافها بواسطة الأقمار الصناعية، ولكن مجرد إمكانية فعل ذلك يجب أن تلفت انتباه جميع سكان العالم!
هناك قدرة مرعبة أخرى للأقمار الصناعية وهي التلاعب بعقل الشخص بواسطة "رسالة" صوتية خفية (Audio Subliminal Message) وهو صوت ضعيف جداً لا يمكن أن تسمعه الأذن بشكل واعي ولكن يستقبله العقل اللاواعي. لجعل الشخص يقوم بعمل ما تريد منه فعله، لا يهم أن يكون نائماً أو مستيقظاً. يمكن لرسالة من هذه الرسائل إجبار الشخص على قول شيء تريده أن يقوله وبطريقة عفوية جداً بحيث لا يمكن لأحد إدراك أن تلك الكلمات تم صياغتها من قبل شخص آخر. لا يوجد حد لمدى الأفكار التي يمكن أن تـُلقن لشخص لا يدري بما يحدث كي يقولها. يمكن التلاعب بالشخص المستهدف بحيث يقوم بفعل شائن، وقد يحمل الأشخاص المحيطين بالشخص المستهدف على قول أشياء تجرح الشخص المستهدف. من ناحية أخرى، الشخص النائم أكثر عرضة لهذه التكنولوجيا، ويمكن التلاعب بعقله كي يقوم بعمل شيء وليس مجرد قول شيء ما. من الأمثلة على الأفعال التي قد يتم تحفيزها بواسطة الرسائل الصوتية الخفية التدحرج من السرير والسقوط على الأرض، أو الإستيقاظ والمشي في حالة غيبوبة. ولكن يبدو أنه لا يمكن جعل الشخص النائم يقوم بذلك إلا لدقيقة أو نحو ذلك، حيث عادة ما يستيقظ بعد ذلك ويزول أثر "التعويذة." ينبغي الإشارة إلى أنه بالرغم من الشك الذي يحوم حول "التنويم المغناطيسي" الذي يجريه المحللين النفسيين، إلا أن التلاعب الواعي والباطن للسلوك حقيقة واقعية ومؤكدة. يمكن التغلب على قـُصر مدة "التعويذة" الخفية التي يسببها القمر الصناعي بإجراء المزيد من الأبحاث. ذكرت مجلة نيوزويك (Newsweek) في عام 1994م بأن "المعالجين النفسيين يتفقون بشكل عام على وجود الإدراك الخفي، وتعتقد جماعة صغيرة منهم بأنه يمكن استخدامه لتغيير النفس البشرية." الدكتور الروسي إيغور سميرنوف والذي سمته المجلة "الدكتور سترينج لوف الخفي" هو أحد العلماء الذين يدرسون تلك الإمكانيات: "باستخدام التخطيط الكهربائي للدماغ، يقوم بقياس الموجات الدماغية ثم باستخدام الكمبيوترات يرسم خرائط للعقل الباطن والعديد من الإنفعالات البشرية مثل الغضب والدافع الجنسي. بعد ذلك، من خلال الرسائل الخفية المسجلة، يدعي بأنه استطاع مادياً تغيير ذلك المشهد الذهني بواسطة قوة الإيحاء." بدمج هذا البحث مع تكنولوجيا الأقمار الصناعية – وهو ما تم إنجازه جزئياً – يمكن أن تتوفر للقائمين على التكنولوجيا إمكانية القيام بـ "الجريمة الكاملة"، فالأقمار الصناعية لديها القدرة على العمل خفية وبسرية تامة. يمكن إساءة استخدام قدرات الأقمار الصناعية المذكورة دون خوف من العقاب. يمثل القمر الصناعي "بوابة نظيفة" كما هو معروف، وحتى وإن عرف الضحية كيفية اقتراف الجريمة إلا أنه لن يصدقه أحد وسيكون عاجزاً عن الدفاع عن نفسه.
وهذا هو الخطر الأكبر الذي تمثله تكنولوجيا الأقمار الصناعية. المشكلة ليست في كون هذه التكنولوجيا غير مراقبة من قبل مؤسسات عامة، وليس في كونها غير ديمقراطية بالمرة. بل يتمثل خطر الأقمار الصناعية في حقيقة أنه لا يمكن مقاومتها. إنها تقهر ضحاياها العاجزين! وكما تنبأت الكاتبة ساندرا هوتشمان في مطلع عصر الأقمار الصناعية تقريباً – على الرغم من أنها لم تتنبأ بشكل صحيح بالتطور المذهل للتكنولوجيا ذات العلاقة – حيث قالت: "تحدق بنا الأقمار الصناعية المطلعة والخفية من مداراتها الشاهقة وتراقب كل لحظة في حياتنا. يمكن لقمر صناعي على ارتفاع أكثر من خمسمائة ميل من سطح الأرض أن يلتقط منظر كرة تنس وتصويرها، ثم إرسال صورة إلى الأرض بوضوح الصورة الملتقطة من ملعب التنس. تقوم الأقمار الصناعية بتصوير وتسجيل الكثير من الأشياء وتقوم بإرسال هذه المعلومات والبيانات إلى أماكن هادئة حيث يتم استخدامها لأغراض لا نعلمها. لقد ماتت الخصوصية." إن هذا الرعب موجود في المكان والزمان الراهنين. هذا الخطر ليس من وحي عقل عالـِم غريب الأطوار أو ممن يتبنؤون بالتطورات المستقبلية. يتم في الوقت الحاضر إساءة استخدام الأقمار الصناعية التجسسية. يخضع آلاف الأمريكيين للمراقبة ويتم تجريدهم من خصوصيتهم. ليس لديهم الآن أي طريقة للنضال ضد هذا الإضطهاد لأن التكنولوجيا تتطور بوتيرة أسرع بكثير من تطور المؤسسات الإجتماعية.
إن قدرات الأقمار الصناعية، كما وصفت، يمكن استخدامها بسهولة في مضايقة شخص ما. قد يكون الضحية منافساً تجارياً، أو خصماً سياسياً، أو شريك حياة سابق، أو معارضاً سياسياً، أو منافساً غير مرغوب فيه، أو أي شخص يثير الكراهية أو الإزدراء لسبب أو لآخر. بمجرد أن يصبح الهدف "توقيعاً"، لا يمكنه تفادي العيون الفاحصة للقمر الصناعي. (ذكر أحد المقالات في مجلة العلوم (Science) بأن "كمبيوترات صغيرة تقوم … بتفحص الإشارات القادمة ومقارنتها مع صور أو "تواقيع" محوسبة.) وسيخضع الضحية للمراقبة المستمرة طالما هناك رغبة في ذلك لدى جلاده أو جلاديه الذين لهم القدرة على استئجار قمر صناعي. ستكون تحركاته معروفة، ومحادثاته مسموعة، و أفكاره مقروءة، وستخضع جميع مواقفه الحياتية للنصح الزائف في حال استخدم معذبوه تلك المعلومات بطريقة شيطانية.
يمكن لشخص سادي أن يضايق الشخص الذي يستهدفه بلسعات صوتية، أو رسائل صوتية يتم بثها مباشرة في غرفته، أو مهاجمة جسده بشعاع ليزر، أو رسائل صوتية خفية لإزعاجه أثناء نومه، أو التحكم بالأشخاص المحيطين به بحيث يقولون أشياء تؤذي مشاعره، أو بأشعة ليزر تقوم بإطفاء إنارة الشوارع عندما يقترب منها، أو التلاعب بالمصابيح والإنارات بحيث تحترق عندما يقوم بالضغط على زر الإضاءة، وبشكل عام مضايقته وتعذيبه بالمعلومات التي تجمعها عيون الأقمار الصناعية وآذانها الخارقة. باختصار، يمكن للشخص الذي لديه القدرة على الحصول على قدرات تكنولوجيا الأقمار الصناعية تحويل حياة ضحيته إلى كابوس حقيقي، أو إلى جحيم!
إن الطريقة التي يتم بها الترتيب لإخضاع شخص ما لمراقبة الأقمار الصناعية ما زالت سرية وربما تكون مؤامرة بين أكثر من طرف. إلا أنه يبدو بأن هناك احتمالين رئيسيين هما: المراقبة بواسطة قمر صناعي حكومي، أو المراقبة بواسطة قمر صناعي تجاري. طبقاً لمقال تم نشره في مجلة "تايم" (Time) عام 1997م، "بدأ نشر أقمار صناعية تجارية ذات بصر حاد يمكنها رؤيتك حتى وأنت في حوض سباحة صغير." ذكرت مجلة الدفاع والديبلوماسية عام 1985م بأن "تكلفة المستشعرات في متناول (أي دولة) لها الرغبة في ذلك، والمستشعرات عالية الأداء عن بعد (أو منتـَجات الإستشعار عن بعد) متوفرة بسهولة. إن التقدم الذي تحقق في الجيل الرابع (وقريباً الجيل الخامس) من قدرات الكمبيوترات خاصة في مجال الدوائر المتكاملة ذات السرعة العالية جداً (VHSIC) والمعالجة المتوازية هو سر الإستغلال السريع للبيانات الملتقطة من الفضاء. تقوم أقمار الترحيل الصناعية ذات الحزمة الواسعة والطاقة المنخفضة في نفس الوقت بتوفير الدعم لاحتياجات الإتصالات وترحيل بيانات الإستشعار عن بعد وبالتالي تقوم بتغطية إستشعارية عن بعد للعالم أجمع." بالإضافة إلى ذلك، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) في عام 1997م بأن "الأقمار الصناعية التجسسية التجارية على وشك أن تسمح لأي شخص لديه بطاقة ائتمانية من الحصول على رؤية فوقية لمقرات الطغاة أو الفناء الخلفي لجيرانهم ذوي الأسوار العالية." وأضافت الصحيفة قائلة "حتى يومنا هذا، أصدرت وزارة التجارة تراخيص لتسع شركات أمريكية – البعض منها لديها شركاء أجانب – لإحدى عشر فئة من الأقمار الصناعية تتمتع بمدى معين من القدرات الإستطلاعية." لكن هذا المقال الأخير تناول الإستطلاع والمراقبة الفوتوغرافية، والتي تقوم فيها الأقمار الصناعية بالتقاط صور لمواقع مختلفة على الأرض ثم تقذف كبسولة تحتوي على فيلم يتم إستعادته ومعالجته (وهي طريقة تعتبر بدائية)، بينما الجيل الحديث من الأقمار الصناعية يستطيع تصوير وتعقب الأهداف على الأرض مباشرة. يبذل القطاع الصناعي في الوقت الحالي قصارى جهده لتصغير الأقمار الصناعية التجسسية بغرض توفير المال ولكي يتمكنوا من ملئ السماء بالأقمار الصناعية. ...وبعد تطوير التلفزيون والجهاز التقني المستخدم للإستقبال والإرسال في نفس الوقت، فإن الحياة الخاصة وصلت إلى نهايتها .