الواقع يقول أن الشعوب في الدول العربية لا يمكن لها أن تتغير بين عشية و ضحاها، و هي لازالت نفسها الشعوب التي بنت تلك الدكتاتوريات و ساعدتها على البقاء طوال كل تلك المدة، و هي نفس الشعوب التي لا تنتج شيئا و تستورد كل شيء، و لا يمكننا أن نلوم ذلك أيضا على الدكتاتوريات التي كانت قائمه، لأن الدكتاتورية لا تعيق الأفراد من تنميه أنفسهم على صعيد شخصي، فدكتاتورية مثل التي في الصين مثلا لم تعق الشعب الاوربي في القرن الماضي من أن يكون شعبا عاملا مبتكرا، و شعبا لا تجد لمصطلحات مثل “الكسل” و “التواكل” أثرا في قاموسه، على الرغم من أنه كان يعيش تحت نظام دكتاتوري أشد قمعا من الأنظمة العربية...
بدون ثورة أخلاقية و علمية لا يوجد أي معنى للثورة السياسية، و لن تعدوا كونها مجرد فوضى ساهمت في نقل الحكم من يد دكتاتور إلى جماعة من الدكتاتوريين، لأن الشعب الذي لا يملك مستوى علميا و أخلاقيا عاليا لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن ينتج أفرادا أفضل من مبارك و بن علي و القذافي، و هي حقيقة يجب أن لا تغطيها فرحة التخلص من الأنظمة الاستبدادية السابقة، لأن تغيير النظام السياسي دون تغيير جوهر الشعب المولد لتلك الأنظمه لا يمكن له أن يأتي بأي نتائج إيجابيه، و لن يكون هناك جديد سوى استبدال دكتاتورية مسنه بدكتاتورية شابه.
لم تذهب الشعوب مع مبارك و بن علي و غيرهما، و هذا معناه أنها نفس الشعوب التي كانت تحت تلك الدكتاتوريات، شعوب تمجد التخلف و الظلم الاجتماعي و التحرش الجماعي و التطرف الديني و كل ما إلى ذلك من أشياء لا يمكننا أن نلصقها جميعا على النظام السياسي القمعي مهما بلغ عتيه، بل الملام الأول هو تلك الشعوب في حد ذاتها و التي لا يمكن لثورة سياسية مهما بلغ زخمها أن تمنحها التطور العلمي و الأخلاق الحميدة التي لم تملكها من قبل و لن تملكها لمجرد أنها أزالت حاكما دكتاتوريا، فالأمر ليس بتلك السهولة و ثورة سياسيه مثل التي حدثت في مصر أو تونس لن تزيل التخلف الأخلاقي و العلمي الذي ساهمت في صنعه تلك الشعوب بنفسها.
الخلل يكمن في طريقة تفكير الشعوب العربية، و لا يمكن أن نحصره في دكتاتور أو آخر، خاصه عندما يكون ذلك الدكتاتور انعكاسا لأفراد مجتمعه، فهم لصوص مثله، نصابون مثله، مستهترون مثله، ساديون و دمويون مثله، دكتاتوريون مثله، و مع ذلك يعارضون وجوده و يفرحون لذهابه، على الرغم من أنه لو كان أي منهم في مكانه لما كان أفضل منه إطلاقا. هذا هو الواقع الأليم، فهذه أفضل النماذج التي يمكن للعرب تقديمها سياسيا، و مالم نقم بعملية إصلاح كامله للقاعدة لا يمكن لنا أن نطالب القمه بأن تكون نموذجيه، و أي مُنَظر أو ناشط سياسي يريد فعلا الإصلاح يجب أن يعالج الأساس أولا، و يبدأ من معالجه المجتمع و تصرفاته و أخلاقياته على المستوى اليومي، و سنرى جميعا كيف أن كل إصلاح على مستوى القاعدة سيكون له انعكاس إيجابي على القمة ولو بعد حين، المهم أن يبدأ الإصلاح الاجتماعي و الأخلاقي قبل الحديث عن أي إصلاح سياسي.
لا يمكن أن يكون مستقبل أي دولة من الدول التي نجحت في إزالة أنظمتها القمعية مشرقا أو إيجابيا دون أن يصاحب ذلك التغيير السياسي تغيير أخلاقي و ثورة علميه، لأنه بدون ذلك سيظهر العرب أنهم فعلا من هواة الحلول السهلة و إلقاء اللوم على الغير دائما، حيث بدل أن يصلحوا أنفسهم كأفراد، يلقون اللوم على النظام القمعي في كل شيء، و كأن النظام القمعي أجبرهم على ممارسة الكسل كوظيفه، و أجبرهم على معاملة الآخرين بسوء، و على عدم المحافظة على نظافة الشارع و أشياء أخرى يعتبرها العرب تفاهات فقط لأنهم أكسل من أن يقوموا بإيجاد حلول لها أو يلتزموا بتلك الحلول إن وجدت. إن الأفكار و المبادئ التي ينشأ عليها المواطن العربي هي التي بحاجة لأن يتم تغييرها، الأفكار التي تشجع الكسل و التواكل و تحارب العلم و العمل و تقمع الرأي الآخر و تعلم الإنسان العربي أن يكون آلة حقد و دمار، تلك هي الخطر الحقيقي، و بدون عملية استئصال و تطهير لها، كل مواطن عربي مؤهل لأن يكون قذافي أو مبارك أو بن علي جديد.
يتحدث الجميع ويضع مشكلة التخلف بجميع أشكاله وصوره ومنها تهافت العقل العربي،على الحكام والانظمة التي حكمت دول العالم العربي في القرون الاخيرة،في تجاهل واضح للمنبع الدائم الذي لاينضب لهؤلاء الحكام وعبيدهم،وهم الشعوب العربية المقيدة عقولها بسلاسل حديدية من التخلف والهمجية بجميع صورها،الناتجة من ثقافة وتقاليد منحرفة بعيدة كل البعد عن المبادئ الدينية والانسانية،بل مستندة على تأريخ دموي لاحدود له لازال يمجد من قبل الكثيرين،واذا حاول أحدهم مجرد البحث الحقيقي فيه،وبالتأكيد سوف يوصله الى نتائج الى تتلائم مع تصورات الدولة والمجتمع،فسوف يكون له العذاب الدنيوي الذي لاحدود له،بل العذاب الاخروي في تصور هؤلاء أيضا،لأن الاخرة مثل الدنيا ملكهم!!! والنتيجة بقاء الجميع في دوامة التخلف والهمجية التي أصبحت تؤثر سلبيا في الشعوب الاخرى...
فالتاريخ المعاصر مليء بالمهازل العربية التي لا تعد ولاتحصى،ووصلت الى حد الكوارث الوطنية،من أبرزها تصوير النكبات والهزائم العربية المتتالية بانها انتصارات سياسية! والتخلف العربي،على أنه تقدم في بناء احدث المدن واحدث الابراج والاسواق والمطاعم وخلافها، والديكتاتورية والقمعية الحديثة على أنها حكم الشعب،والاستبداد على أنه حرية وديمقراطية،وغيرها من الخزعبلات التافهة.
فالحقيقة اننا نصرف ملايين ومليارات الدولارات على امور تافهة وفارغة بينما دولنا من اقل الدول في العالم في تمويل البحث العلمي..او المسؤولية في تطوير التعليم ومحو الامية؟؟؟
مليارديرات العرب يصرفون المليارات في قصور وابراج وشبكات هواتف نقالة بينما لم يفكر احد في كيفية تطوير المهارات البشرية لاستغلال اكبر ثروة لدينا وهي المواطنين؟؟؟
نعاني من البطالة وضعف الموارد وقلة الغذاء واستيراد معظمه..واراضينا اغنى الاراضي بالموارد الطبيعية والارض الخصبة والمياه الجوفية؟؟؟
الاعجب من هذا ان اول كلمات الوحي لرسولنا الكريم (ص) هي اقرأ..ومع ذلك ننفذ مخططات الغرب في خلق شعوب جاهلة امية لا تعلم عن العلم شيء وليس لديها اي قنوات معرفية او تعليم ينمي العقول؟؟؟
ديننا ربط الايمان بالعمل..وقال الله تعالى "فقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" ومع ذلك نواصل جلد الذات في بطالتنا واستهتارنا بالوقت وانهزاميتنا من الداخل؟؟؟
رسولنا وعلماء المسلمين اول من اسسوا دولة مدنية بالمفهوم الحديث تقبلت جميع الطوائف وانفتحت على علوم كل من حولها ومع ذلك نسقط في الطائفية لاوتكفير الاخرين والانغلاق على الجهل العقيم؟؟؟
لا نعجب اذا ان نكون ارض خصبة للانحدار الفكري والتطرف والتدمير الداخلي...لا نعجب اذا ان نكون سلاحا في يد المتلاعبون بنا للقضاء على ما تبقى لنا؟؟؟؟
لا أريد الدخول في كل تفاصيل ما يخص الدول العربية فهي واضحة للعيان،ولاتحتاج الى ذكاء في التحليل للوصول النتيجة المعروفة في تفاهة وأنحطاط العقل العربي،وليس هنالك من سبيل للخروج من متاهة المجهول في تهافت الشعوب العربية نحو الانحطاط والجهل والهمجية والعنصرية والطائفية والمذهبية والاستبداد الذي يحول الشعوب الى مجموعة من القطيع الحيواني،سوى الى ثورة عظمى في التغيير الذاتي للخلاص من كل مايجعلنا أبعد عن الانسانية اللطيفة وأقرب الى الوحشية الهمجية، ويكون رأس حربة التغيير كل المثقفين والكتاب والمفكرين والعلماء والمخلصين الشرفاء،وتكون البداية في الشعوب المغلوبة على أمرها ذاتيا وخارجيا،وتكون كلمة الحق فوق كل الميول والاهواء والنحل فلنكن أحرارا خيرين كما ارادنا الله ان نكون...والا فنحن نسعى الى غوغائيون يسمون بالمواطنين وغابة تسمى بالوطن..