احبابنا في الله..نستهل مواضيعنا اليوم بوجه اعجازي يتمثل في لفظ الحبك..ولنا ان نعلم ان حديثنا عن ايات الله في الكون جزء اساسي من التمسك والرسوخ في ايمانياتنا بالله وهو ما يجب ان نحافظ عليه بشدة حاليا..ومن الآيات العظيمة قول الحق تبارك وتعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ* إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) هذه الآية تحدثنا عن خاصية موجودة في السماء وهي أنها ذات حُبُك أي: ذات نسيج محكم، لنتأمل سويا روعة الخلق....
فقد طرح العلماء سؤالاً عن شكل الكون: ما هو شكل كوننا الذي نعيش فيه؟ فبعدما اكتشفوا أن مجرتنا ليست هي الوحيدة في الكون، وجدوا أن الكون مليء بالمجرات، وأن هذه المجرات تصطف على ما يشبه خيوط النسيج! ولك ان تتخيل ان المجرات تتكون من أشكال وتصنيفات متعددة فمنها المجرات "القزمة" التي تحتوي على بضعة ملايين من النجوم مختلفة الأحجام، ومنها المجرات العملاقة التي تتعدى عدد النجوم بها تريليون نجم ( 1018) ،بالإضافة لما تحويه من كواكب وسحب وغازات كونية وغيرها. وكما ورد في نتائج أبحاث "هابل" أن التقدير المبدئي لعدد المجرات في الكون هو 125بليون مجرة مع احتمالية خطأ 50% . فقدرات تليسكوب هابل ومحدودية زواياه لا تعطييه القدرة إلا على رصد حوالي 80 بليون (80 * 1012 ) مجرة في أحسن تقدير. وفي أحدث تقرير ل"هابل" تضاعف هذا العدد عند تحديث الكاميرات مع ملاحظة أن ما يقارب من 3000 منها يمكن رؤيتها، وذلك لأن بعض الكاميرات المحدثة من نوع يعمل بالآشعة تحت الحمراء وآشعة اكس وموجات الراديو. وتعددت الدراسات سواء في وكالة ناسا لأبحاث الفضاء أو في كبرى جامعات العالم لعمل برامج محاكاة لتقدير نظريا عدد المجرات في الكون وعدد ما تحويه من نجوم بناء على فرضيات تناسب الكتل والطاقة في الفضاء الكوني، حتى أن بعض التقديرات لعدد المجرات وصل لأكثر من 500 -1000بليون مجرة. ولنا أن نتخيل صعوبة تقدير عدد المجرات الفعلي في الكون فإذا تجاهلنا ضخامة أحجامها وأبعادها عن كوكب الأرض التي تزيد عن آلاف وملايين السنين الضوئية، لا نستطيع أن نتجاهل حركتها الدائمة وحركة مكوناتها من نجوم وكواكب وخلافه حول مركزها، وتغيرها الدائم من انفجار نجوم قديمة وولادة نجوم جديدة، وما يصل إلينا قد لا يتعدى بعض الضوء والإشعاعات الكهرومغناطيسية والحرارية التي قد مر عليها آلاف وملايين السنين.
وظل الاعتقاد السائد أن هذه المجرات تتوضع عشوائياً وليس هناك أي نظام يربط بينها، ولكن في العام الماضي قام علماء من الولايات المتحدة الأمريكية ومن كندا ومن ألمانيا بأضخم عملية حاسوبية على الإطلاق كان الهدف من هذه العملية معرفة شكل الكون ولكن هذه المهمة تطلبت تصميم كمبيوتر عملاق هو السوبر كمبيوتر..."السوبر كمبيوتر هو جهاز كمبيوتر عملاق يزن أكثر من مائة ألف كيلو غرام وهذا الجهاز يحتاج إلى مبنى ضخم وتكاليف باهظة والعجيب أن سرعة هذا الجهاز في معالجة المعلومات أو البيانات أنه ينجز في ثانية واحدة ما تنجزه الحاسبات الرقمية العادية في عشرة مليون سنة، فتأملوا معي ضخامة هذا الجهاز الذي سموه العلماء بـ (سوبر كمبيوتر)".
لقد أدخل العلماء عدداَ ضخماً من البيانات حول هذا الكون فأدخلوا بياناتٍ حول أكثر من عشرة آلاف مليون مجرة وبيانات حول الدخان الكوني وبيانات حول المادة المظلمة في الكون وبقي هذا الكمبيوتر العملاق وعلى الرغم من سرعته الفائقة بقي شهراً كاملاً في معالجة هذه البيانات وكانت الصورة التي رسمها للكون تشبه تماماً نسيج العنكبوت.
وتأمل في الصورة المرفقة..فالمجرات تصطف على خيوط طويلة ودقيقة ويبلغ طول الخيط الواحد مئات الملايين من السنوات الضوئية...(إن مجرتنا كمثال يبلغ قطرها أو طولها مائة ألف سنة ضوئية أي أن الضوء يحتاج حتى يقطع مجرتنا من حافتها إلى حافتها مائة ألف سنة كاملة، فتأملوا كم يحتاج الضوء ليقطع الكون من حافته إلى حافته والعلماء يقدرون حجم هذا الكون بحدود ثلاثين ألف مليون سنة ضوئية، طبعاً هذا الكون المرئي وما بعد هذا الكون لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى) ، عندما رأى العلماء هذه الصورة أدركوا على الفور وجود نسيج محكم في السماء فأطلقوا مصطلح (النسيج الكوني). بدأ العلماء بعد ذلك بدراسة تفاصيل هذا النسيج وبدؤوا يصدرون أبحاثاً ومقالاتٍ حول هذا النسيج ومن أهمها مقالة بعنوان(كيف حُبِكَت الخيوط في النسيج الكوني) وقد لفت انتباهي في هذا البحث أن هؤلاء العلماء يستخدمون الكلمة القرآنية ذاتها يستخدمون كلمة Weave باللغة الإنكليزية وهي تماماً تعني حبك، وأدركت مباشرة أن هذه الآية تصوّر لنا تماماً هذا النسيج في قوله تعالى (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ).
يقول الإمام الزمخشري رحمه الله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ: إذا أجاد الحائك الحياكة قالوا ما أحسن حبكه). إذاً الإمام الزمخشري تحدث عن نسيج تم حبكه بإحكام. والإمام القرطبي تناول هذه الآية أيضاً وقال فيها: (ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه يقال منه حبَك الثوب يَحبِكُه حَبكاً أي: أجاد نسجه)، ولكن الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى له تفسير جميل وعجيب ويطابق مئة بالمئة ما يقوله اليوم علماء الغرب! فالإمام ابن كثير يقول: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ أي: حُبكت بالنجوم، ولو تأملنا المقالات الصادرة حديثاً عن هذا النسيج نلاحظ أن العلماء يقولون: إن الكون حُبك بالمجرات.
إن هذا النسيج يتحدث عنه علماء الغرب بقولهم إن خيوطه قد شُدّت بإحكام مذهل أي أنه نسيج وأنه محكم وهو أيضاً متعدد، يعني هذا النسيج الكوني لا يتألف من طبقة واحدة، إنما هنالك طبقات بعضها فوق بعض ولو تأملنا الصور التي رسمها السوبر كمبيوتر لهذا النسيج وما فيه من تعقيد وإحكام مُبهر نلاحظ أن الله تبارك وتعالى قد أحكم صناعة هذا النسيج بشكل يدلّ على أنه عز وجل قد أتقن كل شيء، كيف لا وهو القائل: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل:88].
لو تأملنا كلمة (الحُبُك) نلاحظ أنها تتضمن عدة معانٍ: الشد، والإحكام، والنسيج، وأيضاً تتضمن معاني الجمع لأن كلمة الحبك جاءت بالجمع وليست بالمفرد، يعني الله تبارك وتعالى لم يقل (والسماء ذات الحبيكة الواحدة) بل قال (الحُبُك) وكلمة الحبك هي جمع لكلمة (حبيكة) ولذلك فإن الله تبارك وتعالى قد جمع في كلمة واحدة عدة معانٍ لهذا النسيج، فالنسيج قد يكون محكماً أو هزيلاً وقد يكون قوياً وقد يكون ضعيفاً وقد يكون مفككاً أو مترابطاً، ولكن كلمة (الحبك) تعني النسيج المحكم، و(حَبك) تعني أنه أتقن وأحكم صناعة هذا النسيج وهذا ما يقوله العلماء اليوم يؤكدون أن النسيج الكوني ليس نسيجاً عادياً، إنما هو نسيج محكم وقد شُدّت خيوطه بإحكام.
ومن هنا نستطيع أن نستنج أن الله تبارك وتعالى قد أودع في كل كلمة من كلمات كتابه معجزة مبهرة، ففي كلمة واحدة هي كلمة (الحُبُك) تتجلى أمامنا معجزة عظيمة، هذه المعجزة العظيمة تتضح أمامنا من خلال أن الله تبارك وتعالى عبّر بكلمة واحدة عن حقيقة هذا النسيج، بينما العلماء يستخدمون كلماتٍ متعددة حتى يصلوا إلى النتيجة ذاتها.
ومن اغرب الاشياء التي لاحظتها أننا لو جئنا بمقطع من دماغ إنسان مثلاً وقمنا بتكبير خلايا الدماغ العصبية نلاحظ أن الصورة الناتجة صورة نسيج الدماغ تشبه تماماً صورة النسيج وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن الخالق واحد: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الزمر: 62].
لماذا ذكر الله تبارك وتعالى هذه الحقيقة في كتابه المجيد؟!
نعلم أن علماء اليوم يندفعون باتجاه اكتشاف أسرار الكون ودافعهم في ذلك حب الفضول وحب المعرفة، ولكن القرآن لا نجد آية واحدة إلا ومن وراءها هدف عظيم. فلو تأملنا سلسلة الآيات في قوله تعالى: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) [ الذاريات: 7-9] والإفك هو الكذب، أي أن هؤلاء الذين يفترون على الله كذباً ويقولون إن هذا القرآن ليس من عند الله إنما كلامهم مضطرب ولا يستقيم أبداً، ولو تأملنا سلسلة الآيات نلاحظ أن الله تبارك وتعالى يقول بعد ذلك: (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) [الذاريات: 20-23].
وهنا نصل إلى الهدف من هذه الحقيقة الكونية: (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)، أي: أيها الملحدون المشككون بكتاب الله تبارك وتعالى كما أنكم لا تشكون أبداً في رؤيتكم لهذا النسيج المحكم، وكما أنكم لا تشكُّون في أنكم تنطقون، كذلك ينبغي أن تدركوا وتتأكدوا أن هذا الكلام هو كلام الله تبارك وتعالى، لأنه لا يمكن لبشر أن يتنبأ بالبنية النسيجية للكون قبل أربعة عشر قرناً.
فسبحان الله وبحمده..سبحان ربي العظيم