احبابنا في الله...موضوع اليوم هو عن الاعجاز الرباني في علوم الوراثة...فهل سبق القرآن والسنة بالاقرار بمعادلة توريث الصفات التي نسبت الى واطسون وكريك؟؟؟
مع أن كل الكائنات الحيه مختلفه فى الأشكال و الصفات الا أنها بالاجماع تشترك فى وجود الحامض النووى فى كل خلاياها مما يدفع بالعقل السليم إلى استنتاج أن من أوجد هذه الكائنات لابد وأن يكون واحداً. و مع ذلك أدى اكتشاف الحامض النووى الى خلاف كبير فى معتقدات العالم الحديث, فانقسم الدارسون للحامض النووى الى فريقين, أحدهما يقول بأنه لا إله والحياة مادية بحتة, و قد ساعدهم على ذلك نجاح الاستنساخ حديثا. أما الأخر فيقول بأن العالم مخلوق و له خالق و لكنه ضل عن معرفة الخالق الحق فصار يعبد آلهة من دون الله لا يخلقون شيئا و هم يخلقون. و أمام هذا الزيغ و الضلال اصبحنا نحن المسلمين فى أمس الحاجة الى بحث من القرآن و السنة يتناول قضية الجينات التي تمثل الأساس فى نقل الصفات الوراثية من الأباء الى الأبناء, لكى نثيت حقوق ملكية الحامض النووى لله الواحد القائل عن نفسه {قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} 16 الرعد, و لكى نتمكن من الرد على هؤلاء المشككين الذين يستخدمون الحامض النووى فى نفى واثبات الخالق كيفما يريدون.
كيفية البحث عن الحامض النووى فى القرآن و السنة
حين نبحث فى القرآن و السنة عن الحامض النووى فنحن لا نبحث عن الاسم لأن المسميات تتغير بتغير الزمان و المكان و اللغات. و لكننا سوف نبحث عن الصفات الثابتة التى استقر عليها العلم, لأن صفة الشىء الثابتة لا تتغير بتغير الزمان و لا بتغير المكان و لا بتغير اللغات. و لا يستطيع عالم أن ينكر أن من أهم الصفات الثابتة للحامض النووى أنه يعمل كفيلم قابل للاستنساخ يحمل شفرة وراثية تمثل صورة طبق الأصل للكائن الحى, وهذه الشفرة الوراثية هى المسؤلة عن خلق ذرية الكائن الحى من أجل استمرار الأنواع المختلفة من الكائنات الحية. و هذه الصفات قد استقر عليها العلم منذ تمكن العالمان واطسون و كريك فى سنة 1953 من اكتشاف الشكل الحلزوني المزدوج للحامض النووي الذى يفسر كيفية تخزين الصفات الوراثية على الحامض النووى, كما يفسر كيفية استنساخ الحامض النووى و دوره في نقل الصفات الوراثية من الأباء الى الأبناء من خلال الأمشاج.
و من المعلوم أن وحدة بناء الانسان هى الخليه التى تحوى صوره للانسان تعرف باسم الحامض النووى (دنا = DNA) الذى يحمل الشفرة الوراثية لكل صفات الانسان (كاللون و الطول و العقل), و كأنى بالله قد جعل للانسان تمثالا (صورة) متناهى فى الصغر يتكدس داخل نواة الخليه في حيز لا يزيد عن واحد على المليون من المليمتر المكعب ولكنه اذا فُرِدَ يزيد طوله على المترين. و فى بعض مراحل الخليه نجد الحامض النووى مقسم الى سته وأربعين جسيم صبغى تعرف بالكروموسومات التى يشبه كل منها حرف اكس (X) كما هو موضح في الصورة المرفقة..
القرآن والسنة يسبقان واطسون وكريك فى شرح توريث الصفات
حين اكتشف كل من واطسون و كريك سر الشفرة الوراثية, لم يكن يتخيل انس أو جن أن القرآن الذى نزل منذ أربعة عشرة قرنا من الزمان على النبى الأمى محمد صلى الله عليه و سلم, قد سبق العالم أجمع فى بيان سر الشفرة الوراثية وكيفية توريث الصفات من الأباء الى الأبناء. و لما لا و الذى أنزل القرآن هو الله الذى لا يخفى عليه شىء فى الأرض و لا فى السماء{إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء. هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ}آل عمران6,5. و حين ينسب الله التصوير فى الأرحام لنفسه فانه بذلك يقدم دليلا عمليا على أنه يعلم سرالمخلوقات بما فى ذلك الحامض النووى الذى ينقل الصفات الوراثيه من الأباء الى الأبناء عبر النطفه التى منها يتم تصوير و خلق الذرية فى الأرحام.
و الله قد أخبرنا أنه بدأ خلق الانسان بخلق آدم من الطين, و خلق حواء من آدم {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء}النساء1, فكأن الانسان كله قد خلقه الله من الطين باعتبار مادة الأصل {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الانسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ}المؤمنون12, ثم جعل الله نسل آدم من الماء المهين {وَبَدَأَ خَلْقَ الانسَانِ مِن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ}السجدة 7, 8 , أى من الأمشاج الذكريه و الأنثويه التى تخلق و تصور فى الأصلاب ثم تجتمع لتعطى النطفه (زيجوت = Zygot) فى الرحم {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الانسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ}المؤمنون 13,12..
و نلاحظ أن الهاء فى (جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً) عائده على الانسان بكل صفاته. و فى هذا الاخبار الربانى عن جعل الانسان نطفه اعجاز علمى غايه فى الدقه, اذ كيف تتساوى النطفه التى تمثل خليه واحده لا ترى بالعين المجرده مع الانسان الذى يتركب من بلايين الخلايا. و هذا الاعجاز لم يعرفه العلم الا منذ فتره بسيطه عندما فحص النطفه ليكتشف وجود انسان كامل يعرف باسم الحامض النووى (دنا (DNA = لا يكاد يذكر فى الحجم و لكنه يحمل شفره وراثيه كامله للانسان و يمكن أن نسميه بالانسان الجينى أو النطفه الأمشاج {هلْ أَتَى عَلَى الانسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً. إِنَّا خَلَقْنَا الانسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ}الإنسان 1 , 2. ومن آيات الله ان كافة خلايا الجسد تحوى 46 كروموسوم فردى الا خلايا الأمشاج فانها تحوى نصف هذا العدد أي 23 كروموسوم فردى. و بعد التلقيح بين الذكر و الأنثى تلتقى الأمشاج فى الرحم لتتكون النطفه المسؤله عن نقل البرنامج الوراثى (Genetic programming) من الأباء الى الأبناء {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} عبس19. و الشفره الوراثيه فى النطفه هى المسؤله عن تكوين الذريه فى الأرحام و ذلك من خلال تصوير كل جين فى الشفره الوراثيه لخلق البروتين المماثل لذلك الجين. و كأن تمثال الشفره الوراثيه الموجود فى النطفه يعمل كقالب لصب الذريه عليه فى الأرحام.
من الآيات السابقة نجد الله تبارك و تعالى يرسم لنا الخطوط العريضة لأخطر معادلة فى الهندسة الوراثية و هى المعادلة التى تشرح كيفية توريث الصفات الوراثية...
و العلم الحديث حين يفسر لنا كيفية تكون النطفة من الأباء يقول بأنه يحدث نسخ للحامض النووى من الخلايا الجنسية للأباء فى الخصية و المبيض لتتكون الأمشاج (الحيوان المنوى و البويضة) التى تتحد لتعطى النطفة, ثم يحدث نسخ للحامض النووى الموجود فى النطفة فى الأرحام لتتكون منه أعضاء الجنين . أما فى القرآن و السنة فاننا سوف نجد كلمة أخرى أدق من كلمة النسخ و هى كلمة التصوير و دليلى على ذلك قول الله تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ}آل عمران6, و معنى التصوير فى هذه الآية يفسره لنا حديث النبى صلى الله عليه و سلم (إذا مر بالنطفة اثنتان و أربعين ليله بعث الله إليها ملكا فصورها و خلق سمعها وبصرها و جلدها و لحمها وعظامها) رواه مسلم. وهنا يبين لنا النبى صلى الله عليه و سلم أن هناك تصوير من النطفة قبل خلق الأعضاء و هو ما أسماه العلم الحديث نسخ الحامض النووى الموجود فى النطفة و ترجمته الى البروتينات المكونة لأعضاء الانسان. و هذا يفسر لنا النصف الثانى من المعادلة التى تتحول فيها النطفة الى انسان, و لهذه الجزئية بحث خاص باذن الله. أما الآن فنحن أمام سؤالين:
السؤال الأول, أين النصف الأول من معادلة توريث الصفات من الأباء الى الأبناء فى القرآن و السنة و الذى يبين لنا كيفية خلق و تصويرأمشاج الذرية فى أصلاب الأباء على وجه التفصيل كما هو معلوم الآن فى العلوم الحديثة؟ و الاجابة عن هذا السؤال سوف نراها باذن الله فى الأجزاء الثلاثة الباقية من البحث باذن الله.
السؤال الثانى, ما الدليل على أن الكلام عن التصوير فى القرآن و السنة متعلق بذكر الحامض النووى و لماذا كلمة التصوير أدق من كلمة النسخ؟ الاجابة عن هذا السؤال سوف تأتيكم باذن الله فى بحث خاص بعنوان (ارتباط اسم الله المصور بالحامض النووى مع بيان الفوارق الدقيقة بين الخالق و البارىء و المصور) و ذلك باذن الله بعد اتمام نشر الأجزاء الثلاثة الباقية من البحث السابق.
أمام هذا الابداع الذى لا نظير له لا أملك الا أن أدع التعليق على هذا الاعجاز لله القائل عن نفسه (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) لقمان11. و لا يسعنى فى نهاية هذا البحث الا أن أرجو الله العلى القدير أن يجعل هذا البحث سببا في هداية الكثير من القلوب التي تاهت عن معرفة ربها فصارت تعبد آلهة من دونه لا يخلقون شيئا و هم يخلقون وتركوا عبادة الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا شريك له و لا ولد الذي خلقهم و رزقهم و دبر كل أمرهم و صدق الله إذ يقول (واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا و هم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا و لا نفعا و لا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا) 3 الفرقان.
وسبحان الله وبحمده ...سبحان ربي العظيم