إن السيطرة الإعلامية اثناء الازمات الساخنة والحروب تشبه السيطرة الجوية وتدمير مركز القيادة والتوجيه لدى أي جيش في الحرب العسكرية ، لانها تجرد الضحية المستهدفة من القدرة على ايضاح رأيها في جو سادته الاكاذيب او القصص وخلط الحقائق بالاكاذيب حولها التي تجعل الضحية مشيطنة ومكروهة من قطاعات كبيرة فيصبح الرأي العام ضدالضحية ومع الهجوم عليها ، او على الاقل تتخذ موقف اللامبالاة تجاه حرب مدمرة ، بالاضافة لاثارة القلق واضعاف المعنويات لدى الشعب المستهدف وقواته المسلحة .
والسيطرة الاعلامية بعد انتهاء الحرب الباردة اصبحت هي والمخابرات اهم من العمل العسكري ضد الهدف , والمهم هنا هو ما يلي : حينما يطلق الاعلام الامريكي والغربي والصهيوني والعربي التابع للغرب اكاذيب ، بعضها ذكية جدا وبعضها الاخر فجة ، فان هدفه آني , أي اقناع الناس الان او قسما منهم بصحة تلك الاكاذيب لاجل تحشيد الناس ضد المستهدف وعزله ، والعزل والتعتيم والتضليل يجب ان يتم مسبقا عند الاعداد للحرب والدمار والفوضى والخراب او اثناءه وليس بعد انتهاء الحرب او تحقيق الهدف الرئيس ، فعندما يتحقق الغزو مثلاً وينجح ويحقق هدفه الرئيس والمباشر لايهم أن تكشف تلك الأكاذيب .
ففي حالة العراق على سبيل المثال : جاء الإعلام الموجه ليهيىء للغزو طريقه ومساره حيث رأينا أن بداية عملية غزو العراق وتدميره ماكانت لتبداء إلا بعد إطلاق الأكاذيب الإعلامية وشيطنة النظام البعثي وصدام حسين وتشويه كل من يدافع عنه , وكذا لاننسى ان أكبر كذبة كانت إعلامية خالصة , وهي إمتلاك صدام لأسلحة الدمار الشامل , وبعدها فاجئة امريكا واوربا العالم بعد ذلك وقلبت صفحة الاكاذيب وكانها لم تحدث ــلأن الأمر الواقع تحقق وهو الغزو ــ رغم الكوارث البشرية والمادية والنفسية التي حلت بالعراق وشعبه نتيجة تلك التهيئة الإعلامية التي أختلقت العديد من القصص والأكاذيب التي روجت لها القنوات الأمريكية والصحف العميلة ومنها قناة الجزيرة ممن جعلوا الغزو الأمريكي يبدو في صورة المنقذ للعراق من صدام, بحسب مااعترف بذلك أحد أهم مؤسيسها الصحفيين وهو المصري يسري فوده(معد ومقدم برنامج سري للغاية) الذي إستقال بسبب هذة النقطة تحديداً والكلام هنا موثق بأدله . وفي اطار هذه الحقيقة المعاشة والتي مازلنا نرى اثارها الكارثية فان الاعلام هو حادلة تمهد الطريق للغزو ثم تحافظ عليه بسلسلة اكاذيب وتزويرات جديدة.
ان من اهم شروط نشر الفوضى والسيطرة عليها في ان واحد شرط عزل النظام اعلاميا والتعتيم عليه وعلى بياناته وجعل فضائيات أخرى محددة تتولى نشر الصور والمعلومات التي يريد نشرها من اطلق الفوضى الخلاقة ومن يديرها ويسيطر عليها ، فعبر ذلك فقط يمكن توسيع عزلة النظام وزج اكبر عدد ممكن من الجماهير الغاضبة وتشجيع تسرب الغوغاء و إندساسها في صفوفها في عمليات الهجوم على النظام لاجل اسقاطه . إن عملية عزل النظام اعلاميا والسماح لرأي من يسيطر على الانتفاضة اعلاميا بنشر ما يريد هو فقط أو على الاقل جعل قنواته المصدر الاساس للاخبار هو احد اهم شروط التمهيد لاسقاط النظام ويكمل وظيفة شيطنته . ان هذه الخطة تفتت النظام من خلال تقطيع اوصاله ومنعه من التواصل مع انصاره او تنبيه الراي العام للحقائق التي تخفى ، ولذلك يلعب الزمن دورا حاسما في تنفيذ هذه الخطة وهو زمن قصير جدا ويتحدد بأيام وليس باسابيع لان اخفاء المعلومات غير ممكن لعدة اسابيع ، واذا كشفت الحقائق بعد انتهاء عملية اسقاط النظام خلال زمن قصير فان ما كشف لن تكون له قيمة لان الهدف تحقق واوجد امر واقع جديد .
اذن بصورة عامة..
1- على ضوء مفهومنا للحرب النفسية يصبح الإعلام أحد أهم الأدوات الميسورة للحرب النفسية، حيث الاستخدام المنظم لوسائله ومواده للتأثير على قناعات الطرف المستهدف، دون تجاوز استخدامات القوة العسكرية والإمكانيات الاقتصادية والتحركات السياسية وغيرها، لكن الإعلام من ناحية أخرى يتميز عن كل تلك الأدوات كونه القاسم المشترك لها جميعا والناقل الأساس لأهدافها وتوجهاتها في التأثير على الطرف المستهدف لأنه :
آ) هو الذي ينقل الأخبار العسكرية وتفاصيل الحروب بصيغ تزيد المعنويات أو تضعفها.
ب) وهو الذي يقلل من قيمة انتصار عسكري حصل بالفعل، أو يزيد من وقع خسارة لم تكن كبيرة في الواقع بغية تكوين حالة إحباط مؤلمة.
ج) وهو الذي يهول أيضا من أثر الحصار الاقتصادي على بلد ما بهدف سحبه لتنفيذ أهداف محددة.
د) وهو الذي يضخم كذلك من القدرة الدبلوماسية لدولة معينة لإجبار الآخرين على السير مع توجهاتها المرسومة.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك كله مهامه وطريقته في نقل الأفكار والأخبار والمعلومات، وحاجة الجمهور إليه في المتابعة والترويج وإشباع الحاجات، وكذلك قدرته وشموليته في التأثير، يكون الإعلام في هذه الحالة الأداة الأكثر فاعلية من بين أدوات ووسائل الحرب النفسية المتاحة في وقتنا الراهن خاصة مع تطور تقنيات التوصيل وسبل التأثير في نظام كوني شامل (النظام العالمي الجديد).
2- وإذا ما عدنا إلى موضوع الإعلام كأحد أدوات الحرب النفسية في النظام العالمي الجديد تبيين لنا بعض الحقائق ذات الصلة به أن وجوده أو بالمعنى الأدق غالبية وجوده الفاعل بات بيد واحدة (القطب الواحد)، إذ إن:
آ) غالبية الشركات العملاقة (متعددة الجنسيات) للصحافة والبث التلفازي والأقمار الصناعية الناقلة للبث الفضائي موجودة في اليد الأمريكية التي أنشأت النظام العالمي الجديد.
ب) أساس عمل شبكة المعلومات (الانترنت) أمريكي ورأس مالها أمريكي ومراكزها عبر العالم أمريكية، والقدرة على مراقبتها والتحكم بها في يد أمريكية تسعى لتعميم النظام العالمي الجديد.
ج) 80 % من الأنباء العالمية التي تتداولها وكالات الأنباء في الدول النامية مصدرها الوكالات الأمريكية الغربية القادرة على الفبركة والصياغة حسب توجهات النظام العالمي الجديد .
د) خمس عشرة شركة إعلامية أمريكية غربية تتحكم في المواد والوسائل والمؤسسات والتقنيات الإعلامية، والإعلانية في العالم. وأن 75 % من إجمالي الإنتاج العالمي من البرامج التلفزيونية أمريكي. و 90 % من إجمالي الأخبار المصورة و 82 % من إنتاج المعدات الإعلانية والإليكترونية. و 90 % من المعلومات المخزنة في الحاسبات الإلكترونية جهد أمريكي.
هـ) رأس المال البالغ نحو (489) مليار دولار الذي يتحكم في سوق التقنية الإعلامية غالبيته أمريكي، يسعى أصحابه إلى استثماره للامتداد إلى السوق العالمي بدفع من النظام العالمي الجديد.
3- إن العرض الموجز لمفردات الإعلام والحرب النفسية وعلاقتهما بالنظام العالمي الجديد يدفع إلى جملة استنتاجات أهمها:
آ) إن الدول النامية وبينها العربية والإسلامية ينبغي أن تعيد الكثير من حساباتها فيما يتعلق بالعلاقات وأساليب التعامل مع شعوبها، والغير وبما ينسجم ومعطيات النظام الدولي الجديد.
ب) إن تقنيات الاتصال التي تتطور بسرعة مطردة لا تسمح بالتوجه للتعامل معها على أساس المنع والتشويش كإجراءات وقائية. بل يتطلب الواقع التوجه بكل القدرات المتاحة لأعمال الوقاية، أو ما يسمى بالتحصين النفسي الذي يتأسس على :
أولا: المحافظة على النظام القيمي.
ثانيا: زيادة مستويات التحصيل العلمي والثقافة العامة لعموم المجتمع.
ثالثا: رفع مستوى المعنويات والروح الوطنية للمجتمع.
ج) إن النظام العالمي الجديد وبعد أن أمتلك زمام المبادرة لم يعد مهتما كما في السابق بالحروب العسكرية التقليدية " رغم عدم الاستغناء عنها نهائيا " لكلفتها العالية وكثرة الخسائر البشرية فيها، واستعاض عنها بالحرب النفسية، الأكثر تأثيرا، والأقل خسارة من الناحيتين المادية والبشرية، ووجد في الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة الأداة الأكثر فاعلية.
إن ما نشهده نحن اليوم ماهو إلا في صدد الحرب الإعلامية العالمية الثانية لتقسيم الوطن العربي إلى دويلات عديدة وماكان ويكيلكس إلا بداية المشروع , ولذلك فإن كل من كان يطالب الإعلام والقنوات بالتغطية الكبيرة هو في الواقع يجر بلاده إلى افيون حرب لايحمد عقباه أو أنه عميل يريد تدويل القضايا الداخلية وجرها في الحبال الدولية الغربية العدو الأول والأخر للأمة العربية.