ربما يلتمس البعض العذر لكل من لم يكن لديه علم بأن الأحداث التي شهدها العالم خلال العام الماضي هي أحداث طبيعية ، وان كل من خرج وراء الجموع التي اجتاحت الشوارع في البلدان العربية كان همه الأوحد المطالبة بتحسين المعيشة ، وتهيئة السبل الكفيلة لإيجاد فرص عمل للباحثين عنه ، وان آخرين ربما خرجوا بسبب حبهم للفضول لأن السلوك الجمعي العربي اعتاد على حب الفضول والتجمع عند مشاهدة أي حدث في الشوارع ، كما أن فئات أخرى اعتادت على توارث عادة أنصر أخاك ظالما أو مظلوما ، وبالتالي كانت مشاركات البعض لنصرة من خرجوا في الشوارع ، وأيا كانت الأسباب فقد كان عامل حسن النية موجودا في هذه الفئات، ومع ذلك كانت هناك حموع شاركت في الأحداث بسوء نية ، لأنها كانت مهيئة ومدربة ومعدة مسبقا لافتعال تلك الأحداث وقيادة الجموع والتحريض على تلك الأمور .
أما كيف ؟ فاعتقد أنه حانت ساعة المكاشفة والمصارحة وآن للناس أن يعلموا حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم فوسائل الإعلام الغربية والعربية بدأت تكشف المستور . ومن خلال تتبع هذا المستور ، وهو بالمناسبة موجود في أكثر من موقع بالشبكة الدولية للمعلومات " الأنترنت " ، وكل ما فعلته أن أعدت قراءته وتركيب فقراته ، وتقديمها في مادة تحليليلة سهلة ومهضومة ، حتى لا يقول البعض أننا لم نكن نعلم بعد ذلك . لقد وجدت أيها الأخوة أن مفكري الغرب وخبرائه الإستراتيجيين اعتادوا حين تستيقظ ضمائرهم الحديث عن الكثير من الوثائق ليميطوا اللـــــــــــــــثام عن أسرار كانت تعتبر حتى وقت قريب حبيسة الأدراج ، فكان من أبرز اكتشافاتهم ما أعلنوه مؤخرا بأن ثورات الربيع العربي ، هي أكبر خدعة دبرها الغرب للعرب في عام 2011م ، على غرار خديعة "سايكس بيكو " ، حين أقنعتنا القوى الإستعمارية آنذاك بالتحالف معها ضد الألمان والأتـراك العثمانيين في الحرب العالمية الأولى ، مقابل إنسحاب بريطانيا من فلسطين ، لكن ذلك لم يحدث . فما أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها ، وأنهزم الألمان ، وقضي على الخلافة العثمانية ، حتى نكث الغرب بوعده وكشرت القوى العظمى عن أنيابها ، بعد أن اتضح بأنها قطعت وعدا لليهود ، عــــــرف بــــ "وعد بلفور" ، لتمكينهم من فلسطين ، وجعلها وطنا قوميا لهـــــم .
وها هو التاريخ يكرر نفسه ، حيث ظهر أن الغرب عاد لممارســـــــة خداع الأمة العربية هـــذه المرة حين ساهم بإعلامه المضلل ، المقروء منه أو المسموع ، في تضخيم المشاكل الداخلية بالدول العربية والإيحاء بأنها كانت هي السبب في حدوث الفقر ، والبطالة في المجتمعات العربية ، نتيجة إغفالها وتقاعسها عن مكافحة الفساد وأن النظم العربية هي السبب في عدم وجود الديموقراطية والعدالة في الوطن العربي . وتجاهل ذلك الإعلام أن الغرب يتحمل جزء كبيرا من تخلف العالم العربي ، وفساد بعض نظمه ، وكثرة مشاكل هذه الأمة ، من خلال تدخلاته السياسية والاقتصادية والثقافية ، إلى درجة فرض الوصاية علينا في كثير من شؤوننا الداخلية ، حتى أصبحت بعض دولنا لا تستطيع اتخاذ قرارات مستقلة دون موافقة الغرب ، وزرعـــــه في وسط الجسد العربي تلك الدولة المسماة بإسرائيل والتي كانت السبب المباشر ، والغير مباشر للكثير من مشاكلنا ، وخاصة الاجتماعية منها ، حيث تتطرف شباب الوطن العربي ، من هول المجازر والمذابح التي قام بها الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن الصهيونية ضد المدنيين والأطفال ، والشيوخ العزل في كل من : فلسطين ، ولبنان ، ومصر ، وسورية . كما تناسى هؤلاء المفكرون أن الدول الكبرى كانت تحمي إسرائيل بممارسة حق النقض " الفيتو " ضد أي قرار يستهدف عقابها من مجلس الأمم، بل وتهدد تلك القوى الدول العربية بالويل والثبور إن هي اعتدت على إسرائيل .
كما تناست الدعاية الغربية أن الغرب كان هو السبب في جنوح معظم أبناء الأمة العربية حين فتح باب الجهاد بالتنسيق مع دول عربية أخرى ، للعديد من الشباب العربي للذهاب إلى دولة أفغانستان لمواجهة الإحتلال السوفيياتي السابق لتلك الدولة ، ثم تخلى الغرب عنهم ، وتركهم في غيهم يعمهون . ليسمح لهم بتكوين تنظيم متشدد عمل على نشر الذعر شرقا وغربا ، لكن رغم ذلك لم يستوعب أبناء الأمة العربية هذه الدروس ، فتجاهلوها مع أول تلبية للدعاء من جانب الغرب لهم بإمكانية إصلاح ذلك ، من خلال الثورات والانتفاضات ، حيث قام إعلام الغرب بحملة فكرية كبيرة لوعد الجماهير العربية بالجنة الموعودة ، وبإمكانية حدوث التغيير لتحقيق "جمهورية إفلاطون" لهم، ونجحت الحكومات الغربية في احتواء العديد من التنظيمات الإسلامية المعروفة، وأبرزها " جماعة الأخوان المسلمين " التي كان قادتها قد هاجروا للغرب ، بعد بطش بعض النظم العربية بهم ، ومكنوهم من إنشاء التنظيم الدولي للأخوان المسلمين في ألمانيا، بل ووعدوهم بعد أن تمكنوا منهم وضمنوا ولاءهم لتولي حكم بعض الدول العربية ، إن هم تعاونوا مع الغرب ، لتحقيق مشروعه الهادف لإعادة تقسيم العالم العربي ، وإقامة نظم ديموقراطية على النمط الغربي فيه، لتضمن مشاركة الجميع في الحكم ، ولتبعد بذلك خطر التطرف والإرهاب عنها .
ذلك أن الدراسات الغربية انتهت بعد أحداث سبتمبر 2001م إلى أن من بين أسباب الكراهية التي يكنها بعض العرب المتشددين للغرب تعود إلى تحالف الغرب مع النظم العربية القائمة ، والتي كانت تستقوى بالغرب ضد الشباب العربي، وتضطهدهم ، مما جعلهم "يفشون غلهم " ، كما تقول الدراسات الغربية ، ضد تلك الدول . هكذا كان فهم الغرب للمسألة ، بعد تلك الأحداث التي تعرض لها لأن اللجان التي شكلت لدراسة مسببات تلك الأحداث كانت تحرف التقارير ، وتصيغها بشكل مغاير للحقيقة ، فمثلا تجنبت نعت إسرائيل بأنها جزء من المشكلة ، كما ألقت بعبء الاتهام على النظم العربية المغلوب على أمرها . ولذا كان لابد من القصاص منها ، ولكن بطرق ناعمة .
فالغرب لم يكن يريد العودة إلى تلك الطرق القديمة للتغيير ، فهو بحكم خبرته في تطبيق نظرية " فرق تسد " ، أراد أن يجعلنا نختلف ، ثم ننقسم إلى شيع وأحزاب ، لنتقاتل بعد ذلك ونتناحر فيما بيننا ، وهذا أخطر مما لو تدخل مباشرة ، لأن التدخل المباشر سوف يوحد الشعوب العربية ، ويزيد من تلاحمها وقوتها . ومن هنا كان الغرب يعد العدة الفكرية، ويحشد الحشود ، التي استخدمت فيها " الحرب النفسية " ، فقد كان المطلوب من القوى المتعاونة مع الغرب القيام بثورات ناعمة ضد النظم العربية الحاكمة بحجة المطالبة بالإصلاح أولا ، ولكن ثبت أن المسألة في بعض الدول ذهبت إلى مدى أبعد من ذلك .
وتحقيقا لكل ذلك روجت دور النشر الغربية مجموعة من الكتب التي ألفها ضابط الإستخبارات الأمريكيــــة السابق " جين شارب " ، عبر الأنترنت ، بعد أن تمت الاستعانة بمترجمين عرب ، لترجمتها إلى اللغة العربية ، والتي تدعو وتحث على الثورات السلمية بدون استخدام عنف . فالرجل يركز في كتبه على ما بات يعرف بـــ "غسيل دماغ الشــــباب " من خلال الإيحاء لهم بأن المجتع المثالي ، الذي يجب أن يعيشون فيه كشعوب متحضرة ، يجب أن تكون فيه السلطة التنفيذية " الحكومة " ضعيفة ، وأن تصبح خادمة للشعب ، وراعية لمصالحه .
كما توضح هذه الكتب بأن الأمم السابقة قد سلكت الطريق نحو المستقبل ، بعد أن عانت مما أسماه شارب بالفساد السياسي ، والثقافي ، والاجتماعي ، والكساد الاقتصادي ، فقررت تجاوز تلك الصعوبات ، من خلال التغيير السلمي .
ولذلك وجدت كتب "جين شارب " إقبالا من الشباب العربي في الدول التي شهدت الاحتجاجات والمظاهرات ، فأنكبوا على قراءتها بشغف من خلال "الأنترنت" ، ليعملوا بتعليماته ، وتوصياته حرفيا خاصة في مواجهة السلطات المختصة في الشوارع وفي ارتكاب ألأعمال المنافية للقانون . وحين تأكد "جين شارب " الذي يطلق عليه في الغرب بأنه "ميكافيللي الثورات العربية "، من خلال قيادات الحركات الشبابية العربية أو ممثليها من استيعاب الشباب العربي لتعليماته ، انطلقت في يناير من عام 2011 م، أولى الثورات العربية في تونس . وقد لاحظنا بشكل دراماتيكي خروج مواطني تونس في انتفاضة عارمة غير مألوفة أجتاحت كافة المدن التونسية ، فيما وصف بأنه بداية ربيع العرب . نسبة " لربيع براغ " ، الذي أطلقه الغرب لتحرير " تشيكوسلوفاكيا " عام 1968م سابقا من قبضة النظام الشيوعي السابق . ومرة أخرى نجد أن وسائل الإعلام الغربية تمارس حربا نفسية خادعة لتمرير الحــدث حين قللت من شأن مظاهرات تونس في بداية الأمر ، واعتبرتها مجرد تصرف همجي ــــ كما يحلو للغرب وصف تصرفاتنا دائما ــــ لشبان عرب غاضبون من تردي أحوال المعيشة ، فيما كانت تلك مجرد خطة مدبرة ، كيلا تسلط الأضواء على تلك الأحداث بقوة ، فتؤدي إلى لفت نظر القيادات العربية فتعمل على إحباط ثورة تونس قبل تحقيق أهدافـــــــــها .
ومما ساعد على نجاح الثورة التونسية أن بعض الزعماء العرب وخاصة في شمال أفريقيا ؛ كانــــوا مع كل أسف ـــ يعولون على تحليلات الغرب أكثر مما يعولون على تحليلات صحفهم المحلية . وحين بدأت "قناة الجزيرة " بنقل أحداث تونس ، اتضح لنا في دول المشرق أنها كانت قد أدخلت هواتف الثرياء مسبقا، ووزعتها على عدد من مراسليها من الشباب التونسي الذين رأيناهم في المظاهرات ، وكأنها كانت على علم مسبق بما سيحدث . وبالتالي كانت الجزيرة القناة الأولى في السبق الإعلامي لنقل أحداث تونس لحظة بلحظة ، رغم تشدد الأمن التونسي في البداية في حظر نقل الصورة من داخل تونس ، إلا أن الجزيرة نجحت في التغلغل بأجهزتها وكاميراتها داخل تونس ، فتبين أن ثورة تونس كانت أكبر مما كانت مخيلتنا تتصوره . وبدأنا نشاهد بوضوح دور "عزمي بشارة " منذ البداية في تحليل ثورة تونس لقناة الجزيرة بشكل يجعلك تشعر بأن مجيئه إلى قطر ، بحجة طرده من عضوية الكنيست الإسرائيل ، يخفي وراءه أمور وأسرار ، لعلها تأكدت أثناء الأحداث العربية بشكل عام ، حيث كان بشارة يقدم تحليلات يومية شاملة ، ويرسم مستقبل وخطط الثورات العربية ، الأمر الذي جعلـــــ البعض يطــــــــلق عليه " عراب الثورات العربية " . ولعل مما زاد الحيرة في ذلك أيضا مشاهدتي لذلك اليهودي المسمى " ليفي برنارد " ، وهو يتجول بين الثوار العرب في مصر وليبيا ، واجتماعه مع قيادات إسلامية ، بمن فيهم الأخوان ، ثم ذهابه للاجتماع بقادة إسرائيل . ولمن يشكك فعليه أن يدخل إسمه في متصفح " جوجل " ، ليشاهد العجب عن حقيقة هذا الرجـــل ، ودوره في تلك الأحداث ؟!
لقد كان من الواضح أن المسألة مختلفة هذه المرة ، فالذين قاموا بالإنتفاضة التونسية ، هم شباب تتراوح أعمارهم من 17 ــــ 40 سنة وكانوا مهيئون ومدربون على مواجهات رجال الأمن ، والقنابل المسيلة للدموع ، فارتدوا الأقنعة ، كما نصحهم "جين شارب " . ومن هنا بدأنا نشاهد معارك كر وفر بين شبان ملثمين ، وبين أجهزة الأمن فقاد الملثمون المظاهرات ، ونظموها في الشوارع التونسية بطرق سلمية . والغريبة أنه حين بدأت الأجهزة الأمنية التونسية تتصدى للمتظاهرين وفقا للواجبات المنوطة بها ، بدأ الإعلام الغربي يظهر على حقيقته ليدعي أن تلك الأعمال التي تقوم بها أجهزة الأمن التونسية مخالفة لقوانين حقوق الإنسان ، وأنها تمثل انتهاكات فاضحة . وهنا تظهر ازدواجية المعايير الغربية ، فحين تصدت أجهزة الأمن في أمريكا وبريطانيا واليونان وألمانيا للمحتجين بشكل بات معروفا، تغاضت وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان في الغرب عن التطرق لذلك . لكن ما أن بدأت الاحتجاجات في روسيا , والعالم العربي ، حتى بدأت تطل برأسها من جديد ؟!
ولذلك فليس غريبا أن تسلط وسائل الإعلام الغربية الضوء على أحداث تونس ، وتصف ردود فعل الأمن التونسي بالفظائع وإنها تنتهك حقوق الإنسان ، بل واتخذت من حادثة انتحار ذلك الشاب التونسي " محمد البو عزيزي " مثلا للفداء والتضحية . فيما أزعجت تلك الأوصاف النظام التونسي ، الذي كان يعتقد أن الدول الغربية وبخاصة فرنسا ، حلفاء له ، ولا يمكن أن يتخلون عنه في ظروف سيئة كتلك ، فالنظام التونسي كان شريكا في الحرب الكونية على الإرهاب ، لكن رهانه كان خاسرا ، ولذلك حينما اكتشف "بن علي " الحقيقة ، سارع لاستعطاف وكسب ود مواطني تونس ، بتقديم المزيد من التنازلات لهم ، وإطلاق عبارته الشهيرة " الآن أنا فهمتكم ، وسأعمل على تنفيذ متطلباتكم " . لكن الوقت كان قد فات ، فالغرب كان مصرا في الخفاء على رحيله . ولذلك كان لا بد أن يترك تونس كما قال الغرب "في الحال وبسرعة "، فهم ليس لديهم الوقت ، فالخطة يجب أن تمضي ، حتى تتحقق باقي الأجندة .
وفي الوقت الذي كانت فيه كلمات الرئيس التونسي " انا فهمتكم " تدفع إلى الشفقة لحالة الرجل وعائلته ، وتنذر بأن الخطر قادم على دول عربية أخرى، فإن مسار الأحداث أعطت الانطباع على أن مجرياتها ليست طبيعية بالمرة ، " فوراء الأكمة ما وراءها " . لكن أكثر المتشائمين لم يكونوا يتصورون أن الأحداث ستؤدي إلى أن يترك الرئيس التونسي السابق "بن علي " حكم تونس بتلك السهولة . لأننا ببساطة شديدة لم نكن على علم بما كان يدبره ويخططه من يوجهون مؤلفات " جين شارب " سرا ، فالمسألة بشكلها ذاك كانت أكبر من قدراته وأضخم من محتويات كتبه ، وباتت الأمور محبوكة ومخططا لها من قبل دوائر سرية غربية ، سعيا لإنجاح " ثورة الياسمين " التونسية أولا ، استعدادا لجولات الربيع الأخرى القادمة .
ومن هنا هرب "بن علي" القوي من تونس ، حينما أدرك أن رأسه مطلوبا ، بطريقة محيرة ، لا تزال تثير الشك ، رغم بدء قرينته ليلى الطرابلسي ، بكتابة مذكراتها ، والتي قالت فيها أن "بن علي " تعرض لخداع من قائد الحرس والأمن الشخصي ، حينما أقنعه بمغادرة تونس لأنه سيتعرض للإغتيال من قبل بعض الحراس ، إذا أصر على البقاء فيها . وأن عليه الهروب لجهة قريبة من تونس كمالطا ، ريثما تهدأ الأمور ، لكن قائد الحرس كان يعمل بموجب توجيهات أخرى ، فلم يعد بن علي لتونس ، لأن رئيس الحرس وبقية رجال السلطة أقنعوه بالتوجه لمكان آمن ، فلم يجد سوى السعودية التي رحبت به وفي تلك الأثناء كانت دائرة المظاهرات في تونس تتسع، لتغطي على الانقلاب الذي دبره رجال السلطة القدامى ، لبن علي ، فمكث أؤلئك الرجال متشبثين بالسلطة حتى جاء الإسلاميون الذين كانوا يعيشون في الغرب ، فانتزعوها منهم بعد خوض جولة انتخابات ، أشرف عليها الغرب . الذي كسب أولى الجولات ، فسلمت تونس على طبق من ذهب للأخوان المسلمين والحقوقيين . لقد كانت ثورة تونس مهمة للغرب كي تتجاوز التجربة عنق الزجاجة . فالقادم الذي كان يحضر للعرب كان أسوأ بالنسبة لهم . وكان السؤال المطروح من هو القادم ؟
وبمجرد مغاردة بن علي تونس ، بدأ الإعلام الغربي يتعمق ويتوسع في تغطيته لأحداث تونس ، موضحا دور الشباب في إجبار "بن علي" على الرحيل ، مما أعطى شباب مصر الذين كان الغرب قد هيئهم ونظمهم من قبل في جماعات ، أشهرها "حركة كفاية " ، وحركة " السادس من إبريل " ، وجماعة الأخوان ، والسلفيين ، الفرصة لرفع درجة الاستعداد . فهم أيضا تأثروا بكتب " جين شارب " ، وخاصة حركة 6 إبريل التي كانت على تواصل بالمعهد الجمهوري الأمريكي وبجماعة " كانافس " الصربية التي تمول من قبل الأمريــــكان لتدريب كل من يرغب في سلوك طريق الثورات السلمية . لقد ساعد سقوط نظام بن علي في تونس بمثل تلك السهولة في تسريع وتيرة الثورة في مصر . وكان الشباب المصريون جاهزون لها، حيث ساعدتهم مجموعة من العوامل والظروف الأمنية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية التي تعاني منها مصر منذ سقوط الملكية عام 1952م أصلا على سرعة التحرك .
ومع نجاح ثورة تونس بات المصريون على قناعة بإمكانية نجاحهم أيضا . لكنهم لم يكونوا متفائلين أكثر من تحقيق بعض المطالب المعيشية ، وانتزاع بعض التنازلات من السلطة . لذلك كانت جاهزيتهم لتلك الظروف فقط . ومع ذلك كانوا ينتظرون الفرصة للبدء فكانت مصر بالتالي هي التالية لاستقبال ربيع الغرب . لذلك اتجهت أنظار الإعلام الغربي لتسخين الأجواء في القاهرة بكافة السبل . وفي هذه الأثناء بدأنا نسمع ونقرأ "وثائق ويكليكس " المشبوهة ، والتي كان نشرها غريبا جدا . بل أنه يكاد يكون من بين أهم أبرز خدع القرن الحالي ، كون الأمر يتعلق بوثائق دبلوماسية مصنفة بدرجة " سري " كانت مرسلة من السفارات الأمريكية لوزارة خارجيتها في واشنطن بطرق آمنة جدا ، كما تقضي القواعد ، لأنها كانت تحتوي على تفاصيل لقاءات مسؤولين أمريكيين بحكام ومسؤولين عرب ، لكن الأمريكان ضحوا بها " لغرض في نفس يعقوب" ، لأنها بكل بساطة لم تكن تعني لهم شيئا ، طالما أن المردود سيكون أعلى من الاحتفاظ بها . نعم ، كان المردود كبيرا ، حيث ساهمت تلك الوثائق في تثوير المواطنين العرب ، وزيادة سخطهم ضد الدول العربية وحكامها كونها احتوت على فضائح وممارسات ، وكشفت عن حقيقة السياسات العربية ، وحجم الفساد وغيرها من ممارسات أخرى تتعلق بإدارة الدول وخطط التوريث في مصر وليبيا واليمن . ولذلك هب المواطنون العرب لمناصرة الثوار في الميادين . ومن هنا كانت وثائق ويكليكس عاملا مساعدا في قيام الثورات العربية .
وبعد أن اتضح أن الغرب كان يضع في اعتباره اسقاط الرئيس حسني مبارك بعد أن استنفذ دوره ، خاصة بعد أن بدأ الشعب والمؤسسة العسكرية في مصر يبدون رفضهم لرغبته في توريث الحكم لإبنه " جمال " وما حاوطه من بطانة فاسدة، وهو ايضا برغم خطؤه أمر يتعارض مع الأجندة الغربية السرية لتسليم الحكم للأخوان ، أو تمكينهم من قيادة الحكومات على الأقل ، لذلك كانت الثورة في مصر تلقى الدعم والتشجيع الغربي من قبل كل الدول في ذلك النطاق. ولهذا لم يتراجع المصريون قيد أنملة حتى أسقطو مبارك ، في ثورة أراد المصريون أن تكون مميزة لهم . لكن الأقدار شاءت أن تجعلها تمر بمنجنيات قاسية ، ولاتزال الصورة غامقة حول مستقبلها ، رغم فوز الأخوان بمنصب الرئاسة .
وكانت الجزيرة حاضرة أيضا بقوة في الثورة المصرية ، ومتابعة لكافة مراحلها لحظة بلحظة كما كان "عزمي بشارة " نجما فوق العادة حيث تألق في تقديم تحليلاته وآرائه عن الثورة المصرية . ومرة أخرى سقط ثاني رئيس عربي عن عرشه ، ومرة أخرى ارتفعت الكؤوس في الغرب احتفالا بالانتصار الجديد ، والذي أعاد العرب للقرون الوسطى لأنه ببساطة أرجعهم إلى عصر الفتن والخلافات الداخلية ، وفي ظل كل ذلك تم تقسيم السودان في غياب عربي كامل واستسلام للقدر والقضاء . ومرة أخرى يؤكد العالم العربي أن هناك شباب يعيشون فيه مستعدون لبيع أوطانهم ، والتحالف مع الشيطان في سبيل تحقيق مصالحهم الشخصية
ورغم اعتراف وسائل الإعلام الغربية المتأخر بالدور الغربي لدعم الثورات العربية إلا أن ذلك لم يحل دون إبراز الدور الأمريكي وراء تلك الاحتجاجات التي تعرضت لها الدول العربية، فها هي صحيفة "نيويورك تايمز" تقر في شهر إبريل 2011 بأن واشنطن ساعدت على رعاية الثورات العربية ، من خلال تدريب وتمويل عددا من الجماعات والأفراد الضالعين مباشرة في الثورات والاحتجاجات الإصلاحية التي تجتاح المنطقة ، على يد خبراء من المعهد الجمهوري الدولي ، والمعهد الديمقراطي الوطني ، وفريدوم هاوس ، وهي منظمات غير ربحية ، لحقوق الإنسان ، مقرها في واشنطن ، وتم انشاؤها من قبل الكونغرس وتمولها الحكومة الأمريكية. وللأسف الشديد ثبت أن بعض شباب السلطنة كانوا على صلة ببعض هذه الجماعات أو المنظمات ، فقد ألتقى بعضهم في مسقط بمسؤول أمريكي يدعى السناتور " جون ماكين "، عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي ، على علاقة بالمعهد الجمهوري ، خلال زيارته لها في العام الماضي . ولا يستبعد أن يكون آخرين من مواطني السلطنة قد تلقوا تدريبات على يد هذه المنظمات باعتبار أن تلك الزيارة من ماكين للسلطنة ، ولقائه ببعض الناشطين، ما كانت لتتم لولا وجود تنسيق مسبق معهم .
عموما فقد كشف الخبراء الآن عن أن الثورات العربية كانت جزء من حملة جيوسياسية ضخمة ولدت في الغرب ، ونفذت من خلال وكلائها بمساعدة المؤسسات المخادعــــــــــــــة ، والمنظمات غير الحكومية . ولذلك تواصلت الثورات في اليمن وليبيا وسوريا . فسقط رئيس النظام الليبي بشكل دراماتيكي ، ساهم فيه الغرب بشكل مباشر . كما سقط نظام الرئيس علي عبدالله صالح في اليمن ، والدور الآن على سوريا والسودان ، فدمشق تغلي بشدة، وبات سقوط النظام فيها قريب جدا ، أما الخرطوم ، فباتت تتململ من المظاهرات مؤخرا في مشهد يمكن أن يتطور إلى الأسوأ ، لتوسعه يوميا ...ولكن الاهم..انه ان للرافضون ان يعترفوا بالخديعة حتى نتمكن من ايجاد مخرج.