تموت الدهشة علي عتبات الحقيقة.. والحقيقة المرة التي لا مفر من الاعتراف بها تذهب إلي عدم وجود مقارنة بين ما نحن فيه، وما هم فيه.. هم يولون أمورهم للموهوبين
والكفاءات.. ينظرون إلي المدي البعيد.. لديهم القدرة علي توظيف الواقع واستثماره في تحديد ملامح المستقبل.. كل الوسائل بالنسبة لهم مشروعة بغرض الوصول إلي الغايات، وتحقيق الأهداف بطريقة منظمة، مهما تغيرت المسميات والمصطلحات، أما نحن فننظر دائما تحت أقدامنا، ولا تتجاوز أبصارنا حدود اللحظة، والأخطر، أننا نتعامل مع الأشياء بالقطعة، لأن الواقع بكل ما فيه يشير إلي عدم وجود استراتيجية بعيدة المدي، لكن لدينا خبراء يملكون براعة بلا حدود في تحليل ما مضي، يجيدون الحديث عن الأشياء الميتة، والكلام في التاريخ أمام القنوات الفضائية، والمدهش أن آراءهم تتغير حسب الحدث والظرف السياسي ولا أحد يعرف الحقيقة التي دفعت إلي ذلك.
لم يكن الإقرار بالاختلاف والتناقض بيننا وبينهم أمرا جزافيا، فما يجري من أحداث ووقائع في مصر يقف شاهدا علي عدم وجود مقارنة، لأن ما يحدث يثير الكثير من علامات الاستفهام حول مراميه، فالشغل الشاغل للنخبة والجماعات السياسية هو التواجد كطرف فاعل في معادلة الصراع التي امتدت إلي التشكيك في النوايا، حتي وصلت الأمور إلي درجة مرعبة من التخوين وانتزاع الدوافع الوطنية للحد الذي لم تعد فيه قدر من الثقة من أحد لأحد.
الفوضي طالت كل شىء، انفلات أخلاقي وأمني وإعلامي وتحريض علي الفتنة التي تدفع بدورها للحروب الأهلية مرورا بإهانة المؤسسات في محاولة لكسر هيبتها، والتشكيك في وطنية بعض الرموز، وتبادل الاتهامات بالخيانة.
وسط ما يجري من صخب مشحون بالاتهامات والتخوين والعمالة لتنفيذ مخططات صهيونية وماسونية، كان من الطبيعي أن يبرز علي السطح بقوة الحديث عن وجود مؤامرة علي مصر، وأن ما يحدث ليس سوي جزء من مؤامرة كبري جري التخطيط لها بدقة، وتمسك بخيوطها، وتحرك أحداثها، أياد خفية غير معلومة، أو ملموسة، لا يستفيد منها سوي الصهيونية والمحافل الماسونية العالمية.
الحديث عن وجود المؤامرة لم يأت عشوائيا، لكنه ارتبط بما يحدث من فوضي قادرة علي تهديد استقرار الدولة، بالتزامن مع انحياز الكثير من وسائل الإعلام بصورة مطلقة علي أفعال ستظل محل جدل في تفسيرها ، إلي جانب قفز بعض الذين تصدروا المشهد الإعلامي علي الحقائق في معظم الأحيان، الأمر الذي ساهم في توجيه الانتقادات إليها.
التخوف من تداعيات الفوضي، وما يصاحبها من أحاديث عن ارتباطها بوجود مؤامرة لا ينفصل بأي حال من الأحوال عن ممارسات النظام السابق وارتباطها بنظرية المؤامرة أيضا، لأنه أعطي لنفسه الحق في احتكار السلطة والسياسة والثروة والسيطرة علي وسائل الإعلام والبرلمان وتطويع كل إمكانيات الدولة لخدمة أغراضه التي تصب في النهاية داخل خانة المصالح العليا للذين يديرون خيوط المؤامرة التي تتنوع مشاهدها، لكن جذورها واحدة.. لا تخرج بعيدا عن «بروتوكولات حكماء صهيون» وهي عبارة عن مجموعة من النصوص، التي تمثل استراتيجية بعيدة، تتبلور أهدافها حول خطط اليهود لحكم العالم، وهو ما تنفيه الجماعات الصهيونية واليهودية علي مستوي العالم، ويتهمون مؤيدي ومروجي نسب البروتوكولات إليهم بالعداء للسامية وتشويه صورة اليهود، والتحريض علي كراهيتهم، والكثير من الاتهامات الأخري التي يعمل اليهود علي مطاردة أصحابها بغرض تقديمهم إلي محاكمات.
وبعيدا عما إذا كان الحديث عن هذه النصوص جزءا من مؤامرة أو مجرد خيال، جري إلصاقه بالحركة الصهيونية والماسونية العالمية، فإن هذه النصوص تتكون من 24 نصا، تهدف إلي ترويج أفكار وأهداف ترمي إلي حكم العالم بعد نشر الفوضي، وهو ما تتحقق مشاهده علي أرض الواقع في الكثير من البلدان، فحتى مفاهيم الحرية والعدالة والمساواة، وهي ذات المصطلحات البراقة التي تدغدغ بها البروتوكولات مشاعر الشعوب سعيا لتحقيقها، فهي لا تدعو للثورة علي الحكام فقط باسم هذه الشعارات، ولكنها تمر بمراحل مختلفة، هي التأثير علي الحكم للسيطرة علي الحكام، واستخدام ممارسات متعددة من القمع، والحصول علي الثروة، وإفقار الشعوب، وكلها بذور لانطلاق الثورات، والخروج علي الحكام، وذلك يمهد بدوره لخلق جماعات متنافسة علي السلطة، تمتد إلي الحروب الأهلية، وحكم عديمي الخبرة، وذلك يسهل من المهمة في السيطرة علي العالم، وليس مهما في سبيل تحقيق تلك الأحداث، أن يتم اتهام الصهيونية أو التحريض عليهم مادامت هذه الأمور تحقق الغاية، ولم تعرف البشرية كتابا احتوي علي نصوص وأثار ضجة في كافة الأوساط الدولية سوي بروتوكولات حكماء صهيون، الذي تتضمن نصوصه نبوءات أو أحداثاً أيا كان الاسم، تجري بعدها بعدة سنوات كجزء من الخطة السرية لتحقيق الغرض، في مقدمتها إشاعة الفوضي في الشعوب لإضعاف الدول.. تسليط الأفكار الفاسدة في وسائل الإعلام من خلال السيطرة عليها، وإبراز الدعوات المضللة للعقول، من خلال تشويه الأفكار والأحداث بغرض القضاء علي فكرة الانتماء والوطنية، وتقويض كل دعائم الدين بإشاعة الفتن بين المذاهب.
البروتوكولات التي ظهرت مع الثورة البلشفية في بدايات القرن العشرين كانت تحتوي علي بعض الأفكار التي من شأنها تحقيق بعض المرامي التي تحققت بالفعل، في مقدمتها التنبؤ بسقوط الخلافة العثمانية علي أيدي اليهود قبل تأسيس دولة إسرائيل، وإثارة الحروب العالمية يخسر فيها الغالب والمغلوب علي حد سواء، ولا يجني ثمارها سوي اليهود، وكذلك سقوط الملكيات في أوروبا، ونشر الفتن، وخلق مناخ ملائم لازدياد الأزمات الاقتصادية في العالم، لإعادة بناء الاقتصاد العالمي علي أساس «الذهب» الذي يحتكره اليهود. الغريب أن هذه الأفكار قد تحققت بالفعل، وهو ما يشير حسب العديد من المراجع إلي أن هذه البرتوكولات كانت سابقة للثورة البلشفية في روسيا. أما الأمر الذي يتعلق بالفتن والخلافات داخل الشعوب تحددت ملامحه فإنه تكون عبر الجمعيات السرية السياسية والدينية والفنية والمحافل الماسونية والجمعيات العلنية من كل لون، لنقل الدول من التسامح إلي التطرف السياسي والديني ثم الاشتراكية، فالإباحية، فالفوضوية، التي يستحيل معها تطبيق مبادئ المساواة، كما تري تلك النصوص المثيرة للجدل ان الحرية السياسية ليست حقيقة، لكنها فكرة يجب تسخيرها عندما تكون هناك ضرورة لكي تكون طعما لجذب العامة، إذا كان يرغب في انتزاع سلطة منافس له، وبهذا يكون انتصار الفكرة واضحا، ويكفي أن يعطي للشعب الحكم الذاتي لفترة وجيزة، وبعدها يصبح الشعب مجرد رعايا بلا تمييز، لأن القوة العمياء للجمهور لا تستطيع البكاء بدون قائد، وانهم هم الذين سيدفعون بالقائد عن طريق المكر والرياء.
من بين ما يتم تناوله أن الشر هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلي عمل الخير، ولذلك لابد من التشجيع علي أعمال الرشوة والخديعة والخيانة إذا كانت تخدم الغايات.
وفي البروتوكول الثاني يتناول النص أن تحقيق الأغراض يلزم عدم حدوث أية تغييرات إقليمية عقب الحروب، لأن ذلك سيدفع إلي سباق اقتصادي وفي هذه الحالة ستعرف الأمم مدي التفوق الصهيوني في المساعدات وسيتم حكم البلاد، بذات الأسلوب الذي تحكم به الأنظمة الفردية رعاياها، وسيتم اختيار رؤساء إداريين من بين العامة، لهم ميول العبيد، وغير مدربين علي فنون الحكم.
لم تخرج الصحافة بعيدا عن تلك النصوص، فهم يرون أنها القوة الجبارة في أيدي السلطة لتوجيه الناس، لأن الصحافة تبين المطالب الحيوية للجمهور، وتعلن شكاوي المضارين، وتولد الضجة والغضب في الكثير من الأحيان بين الغوغاء، وان تحقيق حرية الكلام تولد في الصحافة غير ان الحكومات لم تعرف كيف تستعمل هذه القوة بالطريقة الصحيحة، فسقطت في أيدينا كما في النصوص ومن خلالها أحرزنا نفوذا، وبقينا نحن وراء الستار، وبفضلها كرسنا الذهب، ولو أن ذلك كلفنا التضحية بالكثير من ابناء جنسنا، هكذا تناولت البروتوكولات خطة الصهيونية العالمية للسيطرة علي مقاليد الأمور في العالم.
تناول الكتاب الذي تم نسبه إلي الصهيونية العالمية أن كل جمهورية تمر بالعديد من المراحل، أولها فترة الأيام الأولي لثورة العميان التي تكتسح وتخرب ذات اليمين وذات اليسار، والثانية هي حكم الغوغاء الذي يؤدي إلي الفوضي ويسبب الاستبداد، وان هذا الاستبداد من الناحية الرسمية غير شرعي، فهو لذلك غير مسئول، وانه خفي، وهو علي العموم تصرف تقوم به منظمة سرية، تعمل خلف بعض الوكلاء، ولذلك سيكون أعظم جبروتا وجسارة وهذه القوة السرية لن تفكر في تغيير وكلائها التي تتخذهم ستارا، إلي جانب الكثير من الأفكار التي تبدو قراءتها وكأنها نبوءات تحدث في واقعنا، وهذا يدفعنا للشك في الكثير من الأمور، بداية من تصرفات حكام الامس والأساليب التي اتبعوها، وكانت مهيأة للثورة التي انفجرت وليس نهاية بما يحدث من صخب وقفز علي الحقائق من وسائل الإعلام ومحاولات إشاعة الفوضي، والدعوة إلي تفكيك الدولة بعد كسر هيبة الشرطة، والاتجاه نحو القضاء، ثم محاولات إهانة الجيش، والكثير من الأمور التي تثير التكهنات.
تعليقات
إرسال تعليق