هناك اتجاه متصاعد في العالم نحو اللجوء الى ما يسمى بالحرب الالكترونية والقرصنة الافتراضية كسلاح ناجع وفعال في خفض تكلفة الحروب التقليدية وتحقيق نتائج عسكرية مبهرة عن بعد وبدون الاعباء التي تفرضها الحروب التقليدية. وتزداد اهمية الحرب الالكترونية مع تصاعد الاعتماد على اجهزة التحكم العسكري الدقيقية التي تستخدم على وسائط الكترونية واتصالات بالاقمار الصناعية وهوما يعني انها تحتاج لحماية الكترونية لا توفرها الحماية العسكرية المعتادة مثل محطات الرادار او الجنود او الدبابات.
وبينما استعرت تلك الهجمات بدون ان يشعر بها الكثير من الناس العاديين في العالم باسره في مناطق مختلفة وبدرجات متفاوتة، كانت اول طلقة حقيقة لفتت نظر الإعلام وتقف ورائها دول وحكومات كانت قد اطلقت لا في الغرب او في الصين او في روسيا وانما في منطقة العالم العربي المحاط بالقوى المتصارعة.
جاء هذا الهجوم عام 2010 وهو الهجوم الذي عرف مجازا باسم ستاكسنت و استهدف المنشئات النووية الإيرانية. ويعتقد على نطاق واسع ان الولايات المتحدة وإسرائيل وقفت خلفه وهناك احتمال حدوث مقدمات له وعمليات سرية سبقته على الاراضي الاوروبية ، خصوصا في المانيا، ليكون الهجوم اول طلقة في الحرب العسكرية التي تستخدم فيها الهجمات الالكترونية عن بعد وبدون وقوع اية ضحايا. كما يعتقد كذلك ان الضربة الجوية الإسرئيلية الإستباقية ضد المشروع النووي الحربي في سوريا استخدم فيها اساليب القرصنة الإلكترونية التي استطاعت شل اجهزة الإنذار والرادار السورية والتحكم عن بعد في مجسات الرادارات ما سمح للطيران الإسرائيلي بالدخول في العمق السوري بدون اية عقبات وبسهولة فائقة وذلك في 6 سبتمبر/أيلول 2007.
مصادر الهجمات العسكرية: يقول خبراء في القرصنة الافتراضية ان حكومات واجهزة عسكرية واستخباراتية تستهدف دول معادية ليس فقط في الاجهزة العسكرية الان ولكن تستهدف شل القوى الحقيقية للدول عن طريق تعطيل شبكات الاتصال، والبنوك، والطيران واجهزة توليد الطاقة وشبكات النفط وبعض الصناعات الاخرى التي قد تساهم في الامدادات العسكرية، علاوة على الوضع الاصلي في التجسس الالكتروني. وقد اكدت تقارير من البنتاجون ان روسيا والصين من اكثر الدول نشاطا في التجسس الالكتروني علاوة على إسرائيل وامريكا وهناك دلائل ان إيران بدأت تسلك هذا المسلك مع اشراكها للصين وروسيا في معلومات سرية عن وسائل التجسس الامريكي. واصبح من المعروف ان تقديم إيران لمعلومات عن اساليب التجسس الامريكي والإسرائيلي عليها كما حدث عند اسقاط طائرة تجسس امريكية مؤخرا يسمح لإيران باكتساب بعض المهارات الفائقة في هذا المجال لتقترب بشدة من الاقتراب من إسرائيل في الهيمنة الإلكترونية والقرصنة عن بعد في المنطقة.
من الجلي ان الدول العربية خصوصا الخليجية منها قد تكون من اكثر الدول في المنطقة عرضة لهذا النوع من الهجمات في المستقبل لعدة اسباب منها اقبالها على شراء اسلحة متقدمة تعتمد على انظمة تحكم الكترونية يمكن استهدافها عن بعد، ومنها كذلك غياب التنوع الكبير في ترساناتها المسلحة نتيجة الميل الى الاعتماد على الاسلحة الامريكية والغربية على وجه الخصوص وهو ما يعرضها للكثير من نفس طرق الهجمات التي قد يتم تطويرها في دول معادية للولايات المتحدة مثل الصين وروسيا وإيران علاوة على انكشاف قدرات تلك الدول امام دولة استخباراتية مثل إسرائيل نتيجة التعاون المكثف بين صناعة الاسلحة الامريكية وصناعة الاسلحة الإسرائيلية، يضاف إلى هذا النشاط التجسسي المحموم لإسرائيل في امريكا. ومن اسباب الانكشاف الجزئي للبلاد العربية غياب التطوير التقني المحلي او ضعفه نتيجة ندرة الخبرة الفنية وقلة الاستثمار في بناء قاعدة علمية فنية متقدمة في هذا المجال.
التوصيات: لذلك توصى الدول العربية بمراجعة ترساناتها من وجهة نظر امكان تعرضها لهذا الخطر اللكتروني الجديد واكتساب مهارات فورا وبدون تأخير كشرط لصفقات السلاح الباهظة من اجل تأمين الاسلحة والمنشآت العسكرية. كذلك ينصح بالتعاون مع روسيا والصين واليابان في ظل رفض الكونجرس الامريكي – تحت ضغوط إسرائيلية – نقل تلك التكنولوجيا التعليمية للدول العربية ثم حماية المنشئات المحتملة التعرض للهجوم مثل شبكات الاتصال والمنشئات النفطية والمصرفية. وينصح كذلك خلق جيل كامل جديد من الشباب المخلص لبلاده في تعلم وسائل الصد الالكتروني والقرصنة والاستثمار بجدية في هذا المجال وهي التكلفة التي يمكن توفير ميزانيتها بسهولة مع تخفيض نفقات الحكومات على القطاعات قليلة الفائدة.
التدريب: علاوة على السعي نحو التدريب في الصين وروسيا واليابان، فان الولايات المتحدة تقدم عدة بدائل للتدريب منها منطقة سيلكيون فالي في ولاية كاليفورنيا للتدريب على امن الشبكات وحماية اجهزة التحكم وتعتبر جامعة ستانفورد ذات باع كبير في التدريب على تلك الانشطة غير انها تتميز بارتفاع اسعار الدراسة فيها علاوة على بعض الشركات الخاصة وتدريبات مشتركة مع وزارة الدفاع الامريكية.
الخطط الافتراضية "الإسرائيلية" الجديدة للحرب الكمبيوترية
تُعتبر "إسرائيل" من الكيانات الأكثر تركيزاً على الحرب المعلوماتية في العالم، حيث تعمد بصورة مكثفة إلى أعمال القرصنة والتجسس على مواقع وعناوين شبكة الإنترنت، كما أنها لا تتورع عن شن حملات مركزة وزرع الفيروسات لتخريب الأنظمة الكمبيوترية في البلدان المعادية لها، وكان من أهمها تسريب الفيروس الدودي Stuxnet في الأنظمة الكمبيوترية الخاصة بالمنشآت النووية الإيرانية السنوات الماضية. بالمقابل، فإن الكيان الصهيوني يتعرض لموجات متزايدة من الهجمات الكمبيوترية، ما حدا السلطات هناك بإعادة تنظيم الدفاعات الكمبيوترية. (مصدر المعلومات الواردة هنا مجلة Aviation Week الأميركية الواسعة الإطلاع إجمالاً في المسائل ذات الطابع الأمني).
التنظيم الجديد للدفاعات الكمبيوترية "الإسرائيلية": أنشأت الحكومة "الإسرائيلية" مؤخراً إدارة للعمليات الكمبيوترية تابعة مباشرة لمكتب رئيس الحكومة مهمتها تحسين القدرات الدفاعية الكمبيوترية. وتأتي هذه الخطوة لتمثل تحولاً في السياسات
الكمبيوترية "الإسرائيلية"، حيث أن التركيز كان سابقاً على الجانب "الهجومي" للحرب الكمبيوترية.
والمعروف أن الجيش "الإسرائيلي" قد أنشأ مؤخراً قسماً جديداً ضمن وحدة المخابرات العسكرية متخصص حصرياً بتطوير برامج وأدوات الحرب الكمبيوترية، في حين أن أنظمة الحرب الكمبيوترية "الدفاعية" تابعة لوحدة أخرى مرتبطة مباشرة بمديريات أعمال القيادة، التحكم، الاتصالات، الكمبيوتر والمعلومات C4I directorates لدى الجيش "الإسرائيلي".
كما تتولى وكالة المخابرات الداخلية "الإسرائيلية" الشين بيت مهمة الإشراف على الأمن المعلوماتي للأنظمة الكمبيوترية المعتمدة في القطاعات المدنية في الكيان. وتشرف الشين بيت بصورة مباشرة على الأنظمة الكمبيوترية الخاصة بالقطاعات الاقتصادية التي تُعتبر حيوية للبلد، وينتظر أن تصبح نسبة هذه الأنظمة "الحيوية" 5% من إجمالي الأجهزة الكمبيوترية داخل الكيان اليهودي في المستقبل غير البعيد،
ويتولى المكتب الجديد للأمن المعلوماتي التنسيق بين جميع هذه الدوائر، مع وضع إستراتيجية شاملة للعمليات المعلوماتية، وهناك خطة تقضي بشراء "إسرائيل" نظام سوبر كمبيوتر تبلغ سرعة أدائه 200 تيرافلوب، ويتيح تشبيه عمليات الهجوم المعلوماتي وإدارة عمليات الدفاع الكمبيوتري في حال حصول عدة هجمات في وقت واحد.
الواقع الحالي للأمن المعلوماتي في "إسرائيل": تعتمد "إسرائيل" بصورة مكثفة على النظم والشبكات الكمبيوترية، وهذا الأمر يجعلها معرضة للشلل في حال تعرضت إحدى تلك الشبكات لهجوم مكثف، وبالفعل فلقد سبق وأن حصلت مثل هذه الهجمات، حيث أن الشبكة الكمبيوترية الخاصة بالجامعات "الإسرائيلية" كانت قد تعرضت لهجوم فيروسي مركز سنة 1988 بمناسبة ذكرى إعلان إنشاء الكيان (وذلك في نطاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى حينها)، كما تم شلّ إحدى الشبكات الكمبيوترية التابعة لوزارة الاتصالات هناك لعدة أيام سنة 2008 نتيجة لمثل هذه الهجمات.
وقد تزايد عدد الهجمات في العامين الماضيين، وتحديداً بعد الكشف عن الدور "الإسرائيلي" في تطوير وزرع الفيروس Stuxnet في أنظمة التحكم بالبرنامج النووي الإيراني من شركة Siemens .
أما مصادر هذه الهجمات، فكانت متعددة، حيث يقول "الإسرائيليون" بأنهم يشتبهون بأن إيران كانت وراء موجة حديثة من الهجمات للرد على الفيروس Stuxnet ، على أن العديد من الهجمات الأخرى أتى من كل من روسيا والصين. وقد ذكر مسؤول "إسرائيلي" في حديث إلى مجلة Aviation Week بأن الإسرائيليين يعتقدون أن الهيئات المتخصصة في إيران طلبت من خبراء في الأمن الكمبيوتري من بلدان أخرى المساهمة في شن هجمات كمبيوترية على "إسرائيل"، وخاصة من قراصنة صينيين، علماً أن الصين هي البلد الذي يأوي أكبر عدد من القراصنة الكمبيوتريين.
كما يعتقد المسؤولون "الإسرائيليون" بأن الشبكات "الإسرائيلية" تتعرض للعديد من الهجمات التي يشنها أفراد أو جماعات غير تابعة لحكومات.
هذا، ومن الواضح أن منطقة الشرق الأوسط قد دخلت عصر الحروب المعلوماتية من أوسع الأبواب، وأن الأداء العربي في المواجهات العربية يعتبر جيداً حتى هذه الساعة. ومن الواضح أن الأمن المعلوماتي بات جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي، وعسى أن يكون الحكام واعين لهذه المعطيات الحيوية لضمان مستقبل الأجيال القادمة.
تعليقات
إرسال تعليق