بات من المهم جدا ان ندرك ان "حرب المياه" الصهيونية أمر يتم منذ عقود..فالحقيقة أن الحركة الصهيونية العالمية كشفت عن أطماعها فى المياه العربية منذ تأسيسها حين عرض " تيودور هرتزل " مؤسس الصهيونية على الحكومة البريطانية فكرة توطين اليهود فى سيناء واستغلال ما فيها من مياه جوفية والاستفادة من بعض مياه النيل ورفضت الحكومتان المصرية والبريطانية آنذاك هذا المشروع .. وفى أعقاب حرب 1967 سيطرت إسرائيل على مصادر المياه العربية الرئيسية فى منطقة الشرق الأوسط وهى حوض نهر الأردن الأعلى الذى ينبع من لبنان وسوريا، وحوض نهر اليرموك المشترك بين الأردن وسوريا والخزانات الجوفية الضخمة تحت الضفة الغربية بفلسطين والمعروفة بخزان الجبل وبئر الجبل ويقبع الفلسطينيون فى هذه المأساة منذ ذلك العام... بل أن الدولة الصهيونية أصدرت قرارا بعد احتلالها للضفة الغربية ينص على أن جميع المياه الموجودة فى الأراضى الفلسطينية التى جرى احتلالها هى ملك خالص لها وبدأت فى سحب المياه من الأراضى الفلسطينية لتغذية المدن المحتلة بحوالى 700مليون م3 ويحصل الفلسطينيون على ما يعادل 19% فقط من المياه الفلسطينية ...
كما قامت الدولة الصهيونية بالاستحواذ على مياه نهر الأردن وتخزينها فى بحيرة طبريا ثم نقلها من الشمال للجنوب لتغذية المناطق المحتلة المختلفة بما قيمته 60% من مياه نهر الأردن بينما يحصل الأردن على 25% وسوريا على 15% رغم أن مياهه تنبع من سوريا.. كما قامت بمنع الفلسطينيون من الوصول لنهر الأردن ودمرت كل المضخات على النهر وطردت المزارعين وتسيطر على 88% من مصادر المياه الفلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة وتستغل مياه الأودية التى تقدّر بحوالى 72 مليون م3 وتمنعها من الوصول للمناطق الفلسطينية... وبصورة عامة فإن 30% من مياه الدولة الصهيونية تأتى من الجولان وذلك بعد احتلالها كما استولت على المياه السورية فى منطقة حوض نهر اليرموك ولأن هضبة الجولان هى المصدر الرئيسى لمياه نهر الأردن وبحيرة الجليل التى توفر المياه لكل من سوريا والأردن وفلسطين تؤكد الدولة الصهيونية على احتفاظها بمصادر المياه السورية فى أية مفاوضات!!! وللإضافة.. عند اجتياح لبنان عام 1978 سيطرت الدولة الصهيونية على ما يقرب من 30% من مجرى نهر الليطانى وكانت أهدافها غير المعلنة حين احتلالها لجزء من لبنان عام 1982 هى المياه اللبنانية حتى خروجهم عام 2000 وأثناء الاحتلال قاموا بنقل مياه الليطانى بحافلات نقل والاستفادة من مياه نهرى الوزانى والليطانى وطردت المزارعين اللبنانيين وشقت الطرق والقنوات وركبت المضخات لسحب المياه إلى الأراضى المحتلة وفى عام 1989 مدت أنابيب مياه نبع العين المتفرع من أحد روافد نهر الحاصبانى واستغلت مياه الحاصبانى و الوزانى بشكل تام... وما يحدث على الساحة حاليا ما هو الا جزء من هذا المخطط الذى يهدف إلى دق طبول حرب مياه بمنطقة الشرق الأوسط .. حيث أن استقرار مصر يعنى استقرار الشرق الأوسط واستقرار الشرق الأوسط يعنى السلام والأمن لكل شعوب العالم...
فقد أطلقت أمريكا يد الكيان الصهيوني في حوض النيل منذ سنوات.. تحت ستار مشاريع "تنموية" للسعي للتنفيذ الفعلي لمشروع "إسرائيل" للتحكم في مياه النيل حيث خططت ليكون العقد الحالي شاهد فعلي لاستحواذ للكيان الصهيوني غير مسبوق في تلك المنطقة حيث وقعت الولايات المتحدة في فترة بداية الربيع العربي في احتفال مغلق اتفاق مع الكيان الصهيوني تطلق بموجبه يد ربيبتها في القارة الإفريقية... ووقع مذكرة التفاهم عن الجانب الأمريكي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “يو إس ايد” والكيان الصهيوني باسم “ماشاف”.. وتضمنت مذكرة التفاهم التركيز مبدئياً على التنمية الزراعية في أوغندا وإثيوبيا وتنزانيا ورواندا ..حيث ستسمح هذه الفرصة للكيان الصهيوني بالتمدد في القارة الإفريقية كون التمويل الأمريكي سيكون متوفراً لها عبر هذا الاتفاق الذي صاحبه موافقة مفتوحة بالميزانية من الكونجرس الأمريكي تمنح الكيان الصهيوني اليد الطولى.. باقتراح من النائب هاوارد بيرمان (ديمقراطي من كاليفورنيا) والعضو البارز في لجنة الشؤون الخارجية ..حيث تم ذكر ان التركيز على الزراعة يعني من باب أولى التعاطي مع الموارد المائية، وإن قيام الكيان الصهيوني بهذه المشاريع بالوكالة تم التخطيط له بعناية فائقة.. لاسيما أن الدول المذكورة بالاتفاق جغرافياً هي دول رئيسة في منظومة دول حوض النيل ... لذا سيوفر الاتفاق للكيان التمويل اللازم للمشاريع الزراعية أو المائية في المنطقة!!!!
وشمل ذلك المخطط قيام الكيان الصهيوني مؤخراً بإبرام اتفاقات مع دول في حوض النيل لإنشاء سدود مائية وكان اكبرها بالفعل سد الالفية الذي وضعت بالفعل اسسه في اثيوبيا، حيث تتولى شركة تابعة لجيش الحرب الصهيوني حالياً إقامة 4 سدود على النيل في تنزانيا، وآخر في رواندا، بالإضافة إلى وجود اتفاق صهيوني مع جنوب السودان الوليد للتعاون المطلق وبقيت تفاصيله سرية للوقت الحالي... مما يؤكد احتمالات أن يتسبب هذا التوسع في تصعيد الخلافات في المنطقة.. لاسيما مع مصر المهددة بنقص حاد في احتياجاتها الأساسية من المياه وفقدان نفوذها كدولة مصب..وللاسف اذا استمر الوضع على هذا الحال تؤكد مراكز الدراسات انه ستدور حرب طاحنة حول المياه في المنطقة خلال سنوات قادمة؟؟؟؟
مشروع سد النهضة وحقيقة ما يحدث في الجنوب:
القرن الأفريقي من المناطق التي تمثل أهمية قصوى للدول "الاستعمارية".. وهي منطقة نفوذ للغرب منذ قدم محتلًا في القرن التاسع عشر وقبله..ويعمل الغرب من خلال تواجده هو بشخصه في قواعد خاصة به ومن خلال دعم "أثيوبيا".. فدولة أثيوبيا دولة فقيرة ماديًا وضعيفة عسكريًا ومتخلفة تقنيًا.. وطامحة جدًا.. ذات أطماع توسعية في منطقة القرن الأفريقي... وتنشط هذه الدولة في ثلاث حالات ـ كما يذكر المؤرخ الأفريقي الدكتور سيد فليفل في كتابه "القوى الخارجية والاتجاهات الإقليمية في السودان":
أولها: انتهاز فرصة الفوضى السياسية التي تعقب الصراعات المحلية.
ثانيها: تنافس الدول الاستعمارية فتتفق مع بعضهم على بعضهم.
ثالثها: استخدام أسلوب الضغط في أعالي النيل لتحقيق مكاسب غرب الوادي.
وقد توفرت هذه العوامل الثلاث، فالقوى الاستعمارية تتنافس (وخاصة اسرائيل والصين ولها حضور قوي في أفريقيا بشكل مستقل وكذا بشكل تابع للغرب، والغرب متمثلًا في الأمريكان والفرنسيين بشكل محدود)، وكذا يوجد خلاف إقليمي متمثل في الحروب المشتعلة في كل أجزاء الوادي كالسودان والصومال وحالة الفوضى والضعف التي تمر بها مصر.. فالأثيوبيون لا يعملون من تلقاء أنفسهم فقط، ولكنهم يعملون لأنفسهم ويعملون بغيرهم.. وبالتالي فإن ثمة أهداف عدة وراء التعدي على منابع النيل ...
فالقوى الفاعلة هي الصهيونية بالتعاون مع قوى أخرى عالمية (شرقية وغربية).. ولكل منها أهدافه الخاصة من التواجد في أعالي النيل.. أو بالأحرى في القرن الأفريقي.. الغرب والشرق يبحثون عن نقاط للسيطرة والهيمنة والبحث عن الطاقة وتأمين مصادرها، والبحث عن سوق استهلاكية وأرض للاستثمار، ومواد خام للصناعة، أما مشكلة مياه النيل فورائها الصهاينة:
يجب ان نعلم ان الصهيونية تتواجد في أفريقيا كلها ـ بدون مبالغة ـ تستغل أفريقيا مصدرًا للمواد الخام (معادن، وأملاح)، وسوقًا استهلاكية .. تصدر لهم البضائع، والسلاح، والخبرات العلمية وخاصة في الزراعة، وتعمل من خلال ذلك على التغلغل في المجتمعات الإفريقية... واستطاعت بالفعل إعادة رسم الصورة الذهنية للعقلية الأفريقية بشكل إيجابي تجاه الصهاينة.. وبشكل سلبي تجاه العرب ما أحدث قطيعة بين العرب والأفارقة، ومودة بين يهود والأفارقة.. خاصة في غياب الدور السياسي بين العرب وافريقيا.. لكن ماذا يريد الصهاينة من السد، أو بالأحرى من الضغط على مصر والسودان بالسد؟؟؟ إنهم يحققون بهذا عدة أهداف منها:
1ـ سياسة شد الأطراف:
يتبع المحتلون اليهود سياسة "شد الأطراف" ومفادها إيجاد أزمات في المخطط الممنهج لابتلاع مصر من الداخل..ومشكلات بديلة تصرف مصر عن مواجهتهم.. وتكون بعيدة جغرافيًا عنهم.. فهذه مشكلة تدخل مصر في صراع مع دولة أخرى غير اسرائيل وما يتم تخطيطه لمصر عبر سيناء وعبر عمليات نقل السلاح..
2ـ الحصول على مياه النيل:
فكما ذكرنا اولا ان اسرائيل تعاني من نقص حاد في الماء، وتخوض صراعات من أجل توفير الماء منذ انشائها، ولم يكفها ما تم في الدول العربية المجاورة فعمدت إلى مياه تركيا.. فيما عرف باسم "أنابيب السلام" والتي بدأت في الثمانينات وكانت سببًا مباشرًا لاستيلاء الأتراك وتحرشهم بحصة مياه العراق وسوريا... ويربط الكيان الصهيوني بين السلام والماء.. ويريد ماء من سوريا ومصر عن طريق "المفاوضات" ويجب ملاحظة النشاط الدائب للكيان الصهيوني في المجال الزراعي، ولم يكتفوا بالناحية الصناعية فقط بالرغم من ندرة الإمكانات المتاحة..!! وددتُ لو أن كل منا يدرس الكيان الصهيوني وماذا يفعل ليعلم ماذا يقدم هو لنصرة دينه وأمته؟!
3ـ الحصول على مكاسب في القضية الفلسطينية وسيناء بسياسة عض الأصابع...
4ـ الاستثمار في أثيوبيا:
زراعيًا، بتأجير الأرض وزراعتها لإنتاج سلع أقل تكلفة، اضافة لباقي دول المنبع ..والماء ثلاثة أرباعه تقريبًا يأتينا من أثيوبيا وحدها..
5ـ تأمين الملاحة في البحر الأحمر:
وهو هدف رئيسي لاسرائيل ـ وغيرها من القوى العالمية ـ فمن البحر الأحمر تنتشر اسرائيل في أفريقيا وأسيا.
والحل باختصار بالضغط في اتجاه معاكس وسرعة التحرك.. الحل في قيادة حرة تقابل الضغط بضغط.. لا باستسلام وتهاون.. ولا بديل عن المواجهة.. فاطماع الصهيونية لا تنقطع فهم يضغطون لأخذ ما في أيدينا وخاصة مع وضع افريقيا في مخطط النظام العالمي الجديد كسلة الموارد والغذاء المستقبلية..أفريقيا هي مقر المنظومة الشيطانية القادمة.. فخطورة الموضوع لا تكمن فقط في صراعات المياه القادمة والخطر على السد العالي وانتاج الكهرباء وتأجيج الأزمات..وخاصة مع الفوضى والتخاذل السياسي الذي يسود مصر حاليا واقصاء المتخصصين عن مواقع المسؤولية عمدا!!!!
تعليقات
إرسال تعليق