احبابي في الله..عندما توشك ان تبتلى الأمم والشعوب بالهزائم وخسارة الأوطان والضعف والتشتت لا بد ان نعلم أن تلك الهزائم والنكبات لا تأتي من فراغ وإنما من خلال البعد عن منهج الله والأمراض الاجتماعية التي تعشش في النفوس والتي أوجدت القابلية للهزيمة مصداقاً لقوله تعالى " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ".. ودعونا نطلع على لقطة من القرآن العظيم عن مجتمع لديه الأسباب المادية للنصر وكان بإمكانه أن يصمد ولكن النفسية الخائرة المهزومة لأبنائه جعلته يترك دياره للغاصبين لقمة سائغة فاستحق الموت المعنوي والحقيقي كعقوبة ودرس من الله تعالى على فعلته حيث يقول سبحانه" ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم"...فالله وحده خارق الأسباب.. اذا أراد أمات دون سبب وأحيا دون سبب..وله وحده المشيئة والنتيجة ب "كن" فيكون.. أما العباد فعليهم الأخذ بالأسباب والمجاهدة وحسن التوكل على الله اذا صلحت ضمائرهم وقلوبهم.. فالمجتمع الذي تنحط فيه النفسيات والتفكير إلى الحضيض لا يستحق الحياة ولا الكرامة ولا العزة ولذلك فالذين هربوا من الموت لاقاهم ..ولو طلبوه في سبيل عمل صالح وفي سبيل الله لوهبهم الله الحياة ..والموت لا يعني الموت الجسدي فقط... لكن يشمل الموت المعنوي بالذلة والاحتقار والاستهانة والاستهزاء بهم جزاءاً وفاقاً ..وما ربك بظلام للعبيد... ولكن رحمة الله واسعة وفضله عظيم فهو سبحانه يعيد من أراد إلى رشدهم ويهديهم سبيل النصر ويدلهم إلى طريق الحياة بحوله وقوته ..
ولكن الأمر ليس بهذه السهولة فهذه الشعوب تكون مبتلاة بقيادات وزعامات تقودها إلى الضلال والهزائم والنكبات وتستمر في الزعامة على الرغم مما سببته من هزائم ..خاصة باستغلال ما تم زرعه من ثقافة ضحلة دينيا وسياسيا في هذه الشعوب لاستغلالها وحشد غضبها واستخدامه وهم يظنون انهم يحسنون صنعاً... لكن على الشعوب ألا تظل مستغفلة عمياء ابد الدهر ولكنها تصحو من نومها وتفيق من سباتها وتدرك أن سببا رئيسياً من أسباب الهزيمة هو التفرق والتمزق والغفلة والأطماع المحدودة.. ولذلك عليها اولا ان تسعى للوحدة ونبذ كل أشكال الفرقة ومحاولات التيئيس التي صنعتها القيادات العميلة الهشة ووضع مصالح اوطانها فوق الرؤوس...
فالشعوب لا تموت إذا كانت مؤمنة ايمان صادق بعيدا عن التستر بأقنعة الدين والمتاجرة به..و" كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين " فالقانون الرباني يقر بأن النصر ليس بكثرة العدد والعتاد ولكن بإذن من الله المطلع على القلوب والنفوس والله مع الصابرين … إن موازين الدنيا كلها ليست هي التي تحدد المنتصر من المنهزم ..ولكن مشيئة الله هي التي تقرر ذلك وبالتالي فلا نصر لمن لم يرد الله نصره ولو كان معه كل القوى العظمى في العالم .. ولا هزيمة لمن أراد الله نصره ولو اجتمعت ضده كل القوى الباغية!!!
فالقضية إذاً ليست إزالة فرد بعينه … وإنما إزالة نظام الكفر وظلمه وعملاؤه وحاملي اقنعة الخداع ليحكم شرع الله الحق وعدله وتستقيم الأوطان لمواجهة الأخطار القادمة لأمتنا بأسرها.. وحينما تجتمع القلوب ونياتها على الصلاح يتحقق النصر من الله وثبات الأقدام وقوة الذات وتحق على أعدائهم الهزيمة بمشيئة الله ..سواء كان ذلك الصراع في القتال أو السياسة أو في ميدان العقل والفكر "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق"..وإذا أراد الله لعبد التمكين هيأ له أسبابه وجعل له من لدنه ما يرسخ مكانته في القلوب ليكون هذا الحدث جسراً ربانياً نحو الحق وقوة اليقين بالحق...
والمعركة عندما تَطول مع أهل الباطلِ فإن الغلَبة والنصرة تكون لأصحاب العقيدة الصحيحة والأهداف الخيرة إذا تحلَّوا بالصبر والثبات على المبدأ... فالعاقبة تكون لأهل الحق كما قال الله تعالى: ﴿ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾.. وكما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ ...فهذان الشرطان هما مُرتكز أسلحة المؤمنين.. الصبر والتقوى.. كما قرر سبحانه أيضا في التغلب على كيد الأعداء بهذين الشرطين: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ فالقوة في الصبر والعزم والصمود أمام قوتهم إن كانوا أقوياء.. وأمام مكرهم وكيدهم إن سلكوا طريق الوقيعة والخِداع.. الصبر والتماسك لا الانهيار والتخاذل ولا التنازل اتقاء لشرهم .. ثم التقوى..الخوف من الله وحده ومراقبته وحده.. تقوى الله التي تربِط القلوب بالله فلا تلتقي مع أحد إلا في منهجه ولا تَعتصِم بحبل إلا حبله.. وحين يتصل القلب بالله فإنه سيحقر كل قوة غير قوَته ولا يستسلم ابدا...
فأي حرب لا بد فيها من الصبر والأخذ بعزائم الأمور.. لأنها ستطول.. إذ لن يرضى الباطل أن يترك ساحة المعركة دون تقديم كل ما لديه من قوة لسينتصر لباطله..خاصة ونحن مقبلون على احداث النهاية.. ولكنهم لن يستطيعوا أبدًا أن يقضوا على الحق.. لأن الحق من الله..والله بيده مقاليد الكون والخلائق وكما قال الله تعالى: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ ..وكما قال سبحانه -: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ ..
فنصر الله آتٍ بإذن الله تعالى ولكن علينا أن نستمسِك بالصبر والثبات والمجاهدة.. فالطريق طويل ومليء بالصعوبات وما يمر بنا من البلاء والتمحيص ليميز الله الخبيث من الطيب.. فلا يصيبنا اليأس والقنوط والإحباط ولا تخورعزائمنا فالمعركة معركة ثبات وتمسك بالمبادئ.. فأهل الباطل يفتنون أهل الحق في دينهم وفي ذاتهم.. وأهل الإيمان عندما يسقطون في فخ اليأس والقنوط ويَظنون أنهم قد هزموا وتكالبت عليهم الأعداء وأنه لا ناصر لهم فإن الباطل يتسلط عليهم ويتقوى بضعفهم وانكسارهم..والحمد لله الذي كشف بقدرته الكثير من الشراك والكمائن التي نصبت في غفلة منا ومن داخل اوطاننا .. ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ ﴾..وعدا على الله حقا ومن أوفى بعهدة من الله؟؟؟؟
تعليقات
إرسال تعليق